تقنيات تخفف الشيخوخة

علوم وتكنلوجيا 2020/11/13
...

  وركينغتون: بي بي سي
يعني توفير حياة كريمة ومستقلة لكبار السن، الاعتماد بشكل أكبر على التكنولوجيا المتطورة. وفي الوقت الحاضر، تتطلع الحكومات والشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا، للتوصل إلى أحدث التقنيات في هذا المجال للمساعدة في تحقيق ذلك الهدف.
في مطلع الصيف الماضي، وصلت بولا تينكلر إلى مرحلة باتت فيها مستعدة لتغيير مسار حياتها المهنية، وهو أمر لا يبدو غير مألوف في حد ذاته. لكن ما كان مباغتا بحق هو السرعة التي حدث بها ذلك. فخلال أسبوع ليس إلا، تدربت بولا في بلدة وركينغتون الساحلية بإنكلترا، على تقديم خدمات الرعاية لمن يحتاجون إليها. وفي غضون شهر واحد، بدأت العمل في هذا المجال بالفعل.
وقد التحقت بولا بالعمل لحساب شركة تحمل اسم "سيرا كير"، تتخذ من بريطانيا مقرا لها، وتتولى تقديم خدمات الرعاية للمحتاجين إليها باستخدام أدوات تكنولوجية متطورة، بدلا من ذلك تتمثل مهمة الشركة في إتاحة الفرصة للعائلات، لترتيب شؤون الرعاية المنزلية لأقاربهم المحتاجين إليها، وإدارة هذا الأمر أيضا، من خلال منصة رقمية.
ويجري عبر هذه المنصة، التوفيق بين مقدمي الرعاية المتاحين، والأشخاص الذين يحتاجون لخدماتهم. كما تستخدم "سيرا كير" خدمات شركة "أوبر"، لنقل المرضى إلى المستشفيات وإعادتهم منها، حينما تكون لديهم مواعيد هناك. وتستعين بخدمات شركة لتوصيل الطلبات، لجلب العقاقير الطبية للمرضى من الصيدليات.
وفي السنوات المقبلة، قد تتزايد أهمية هذه النماذج الجديدة والرشيقة، من شركات تقديم خدمات الرعاية. فأعمار 20 في المئة تقريبا من سكان دول الاتحاد الأوروبي تزيد على 65 عاما، وهي نسبة يُتوقع أن ترتفع بسرعة على مدار العقود القادمة.
 
تقنيات تخفف الشيخوخة
قد تصبح شركات تقديم خدمات الرعاية لكبار السن في منازلهم أكثر انتشارا، مع تزايد عدد المسنين في مختلف أنحاء العالم، بما يترتب على ذلك من ضغوط تتعرض لها دور الرعاية
فعلى سبيل المثال، باتت الأجهزة المُساعدة على السمع، تحتوي الآن على خاصية لتمييز صوت سقوط من يستخدمونها، وذلك من باب توفير قدر أكبر من الأمان لهم. كما أن القميص المزود بأجهزة استشعار، يشكل العنصر الأساسي الذي يُمَكِّن "ألفريد"، ذلك الخادم الافتراضي الذي طوّره الاتحاد الأوروبي، من القيام بمهامه والتفاعل مع كبار السن، ومساعدتهم على الحفاظ على اتزانهم خلال تحركهم على مدار ساعات اليوم، بل وممارستهم التدريبات الرياضية أيضا. وإلى جانب "ألفريد"، نجد "لي"، وهي مشاية آلية، تعمل كذلك مساعدا افتراضيا، بل وحتى كشريك في الرقص.
 
"عالم يغزو شعره الشيب"
ولا شك في أنَّ تقدمنا في السن، هو ما يقف وراء احتياجنا لكل هذه الأجهزة والتقنيات المساعدة. ويقول بِن ماروتابيو، الرئيس التنفيذي لـ "سيرا كير": إن "ثلث من يولدون اليوم سيعيشون حتى سن المئة. وبالنسبة للشركات العاملة في مجال تقديم خدمات الرعاية، يتمثل التحدي المترتب على ذلك، في أن نمو سوقها (أي تزايد عدد المسنين بين السكان) يعني في الوقت نفسه تقلص حجم القوى العاملة المتوافرة فيه. ما يؤدي إلى أن يفوق الطلب العرض، وأن نفتقر لدور رعاية تكفي الجميع". ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن غالبية الناس باتوا يفضلون تلقي خدمات الرعاية في منازلهم، بدلا من الاضطرار للانتقال إلى أماكن آخرى.
 
وقد طوّرت الشركة التي يديرها هذا الرجل مساعدِة افتراضية تدعى "مارثا"، تمد يد العون لمقدمي خدمات الرعاية في أداء مهامهم الروتينية اليومية. ويقول ماروتابيو في هذا الشأن: "تطورت `مارثا` لتلبي احتياجات زبائننا ومن يقدمون خدمات الرعاية كذلك. لقد بدأت كبرنامج دردشة آلي، يمكن أن يلجأ إليه مقدمو هذه الخدمات للحصول على النصح والإرشاد. أما الآن فقد صارت واجهة آلية، توفر التنبيهات والتوصيات لهؤلاء الأشخاص، بناء على المعلومات السابقة التي جرى جمعها عن العملاء الذين يتم الاعتناء بهم".
وفي العام 2019، أقامت "سيرا كير" شراكة مع شركة "آي بي إم"، لإجراء تجربة جرى في إطارها، تثبيت أجهزة استشعار تعمل بتكنولوجيا الـ "ليدار"، التي غالبا ما تُوضع في المركبات ذاتية القيادة، في المنازل. وتجمع هذه الأجهزة بيانات تتعلق بمقدار الحركة، التي يقوم بها السكان بشكل مستمر وأحيانا بلا هدف، في مختلف أنحاء منازلهم. الأهم من ذلك، أن بوسع تلك الأجهزة تنبيه مقدمي خدمات الرعاية، إذا تعثر أحد السكان وسقط أرضا. ويعقب ماروتابيو على ذلك بالقول: "إنها خدمة مستمرة على مدار الساعة، ولا يقتصر توافرها خلال وجود مقدمي خدمات الرعاية في المنزل فحسب".
رغم ذلك، ثمة تخوفات من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على هذا الصعيد. ففي عام 2018، نشرت مجموعة طبية استشارية مستقلة تحمل اسم "مجلس نافيلد لأخلاقيات علم الأحياء"، مذكرة بشأن استخدام تلك التقنيات في الدراسات الطبية والأبحاث، قالت فيها إن ذلك قد يفضي إلى "تقلص الشفافية التي تصطبغ بها القرارات السريرية، وقد يزيد المخاوف المتعلقة بانتهاك خصوصية المريض، وتفاقم احتمالات الإقصاء الاجتماعي".
 
"شيخوخة جيدة"
رغم أن فكرة أننا بتنا نعيش في العصر الحالي لسنوات أطول، باتت مقبولة بوجه عام، فإن ذلك لا يمثل سوى جانب واحد من القصة. فبينما زاد عدد من يصلون إلى سن الثمانين بشكل هائل خلال القرن الماضي، لم يزد نظيره لمن عاشوا حتى تسعين عاما أو مئة، بالنسبة نفسها. وبعيدا عن لعبة الأرقام هذه، فإن معطيات الواقع، تفيد بأن كوننا نعيش لمدة أطول، لا يعني بالضرورة أننا نقضي هذه السنوات الإضافية من العمر، ونحن ننعم بصحة جيدة.
فبفعل ارتفاع متوسط العمر؛ سيصبح المزيد منّا عرضة لتأثيرات مزمنة متصلة بمشكلات صحية كهشاشة العظام، والسكري والبدانة، والسكتات الدماغية وأمراض القلب والجهاز التنفسي، بجانب الأمراض التنكسية العصبية مثل ألزايمر، والمياه الزرقاء على العين.
في النهاية يمكن القول، إن القوى العاملة المزودة بأدوات تكنولوجية متطورة، والتي تلقت تدريباتها عبر شبكة الإنترنت، وتشترك في أداء مهامها - المتمثلة في مد يد العون لكبار السن - مع مساعدين افتراضيين مثل الروبوتات، تمثل مستقبلا يتحول بسرعة إلى حقيقة واقعة.
لكن بالنسبة لعالم يزيد عدد سكانه بوتيرة متسارعة، لا يبدو أن هذه التغيرات تحدث بالسرعة الكافية.