أين ذهبت المسطرة؟

ثقافة 2020/11/14
...

  لانا عبد الستار
 
لم أترك مكاناً إلا وبحثت فيه.. فص ملح وذاب. بحثت في كل الزوايا وتحت الأثاث وفي الحقائب التي حملتها مدة شهر. صعب أنْ تضيع المسطرة وهي جسم بلا أثر ولا رائحة. 
هل قررت أنْ نلغي طقس المسطرة.. لماذا؟ كان طقساً جميلاً. كنا نلهو كثيراً بها. نرسم ونقيس شخابيطنا وكنا نضحك من أرواحنا وببراءة طفولية. البراءة دائماً ما تجددنا. 
عندما تصل لرسم الأناناس كنت تزهو وتنتشي وتتحرك بكثرة وتدخن وأنت تضحك. يعجبني نصرك الذي تحققه مع الأشياء البسيطة. كأنْ تشتري كيلو طماطم تكون متماسكة وحمراء جداً وبلا عيوب زراعيَّة. هل سألت نفسك يوماً لماذا تبدأ معظم أفلام الراهبات بنشر الغسيل؟ التركيز على الملاقط؟ مسطرتنا لها نفس، رمز ملاقط غسيل الراهبات.. بالعادة نبدأ من رسم الفراولة وعندما نصل الى الاناناس بعد أنْ نمر بالبرتقال والتفاح تكون الأمور اكتملت.
أين ذهبت المسطرة؟
لا بُدَّ أنْ أعثر عليها.. هل أخفيتها أنت؟
رافقتنا المسطرة في كل رحلاتنا وكانت أول شيء أحرص على وضعه في حقيبة السفر وأقلق ونحن نستعد للعودة أنْ تكون وقعت تحت سريرنا في الأوتيلات.. أين اختفت مسطرتنا؟ كيف سأرسم رسوماتي بلا مسطرة؟ ستبدو كل العمارات في لوحاتي مائلة وربما كئيبة وتخلو من نكهة الفواكه.
هل تعلم أنَّ هذه المسطرة رافقتني منذ الابتدائية، كنت قد اشتريتها من مكتبة مقابل مدرستي من مصروف جيبي وبقيت معي حتى الجامعة وعندما تزوجنا حرصت أنْ تكون في حقيبتي وأنا أودع بيت أهلي. ما كان لهذه المسطرة أنْ تعيش معي كل هذا الوقت لولا أنك كنت مختلفاً. أنت أيضاً لديك هذه الأشياء الصغيرة التي لا تريد أنْ تفقدها. عندما لا نحتفظ بالأشياء البسيطة معناه أننا لن نقدر حبنا كما يجب. سأشيخ أنا وتكون نظراتك إليَّ باردة كزجاج النافذة. قلبت البيت اليوم.. بحثت في كل الأمكنة التي لا تخطر ببال ولم أجدها. مسطرتي الغالية هل ملَّتْ مني وأرادت تركي بلا رجعة؟. 
وأنا أبحث عن مسطرتنا كنت أدندن ب شلشل على الرمان نومي فزعلي وأفكر بمعنى الرمان هل هو فعلاً رمز طرابيش العثمانيين أم الخدود الورديَّة؟. وتذكرت عصير الرمان الذي شربناه معاً في السلطان أحمد. كم كان لذيذاً.. إنْ لم أجد مسطرتنا وقررت شراء مسطرة جديدة سأبحث عن واحدة عليها رسم فاكهة أيضاً ولا بُدَّ أنْ يكون الرمان بينها.