طائر الشعر والتحليق الأبدي

ثقافة 2020/11/14
...

   حبيب السامر
لن يكف طائر الشعر عن التحليق في سماوات مفتوحة، يترنم في فضاء شاسع كي يرسم بصمات تغريده بالكلمات، هو ذاته الذي لوّن بالحروف ايماءات الكون وعبّدَ طرقات الحقول بالياسمين، يستنطق المديات الزمنية التي تتلاشى وتضيق بفعل لغة الشعر التي هي نتاج الفعل البشري الفردي المعتمدة على حصيلة الخبرة والمعرفة والابداع المتجدد. من هنا تظهر الحقيقة واضحة، لما تقدمه العولمة بتجلياتها المختلفة للشعر في إدراك المجتمعات الانسانية المنبثقة من جماليات الحياة، معنى ان يكون الانسان منشغلا في إشاعة روح الحياة هنا وهناك، ويوقد شعلة الشعر في اي مكان يكون، لأن جوهر النتائج هو القصيدة التي تلملم وجع اللحظات وابتساماتها في وقت واحد.
انشطرت المجتمعات بين مؤيد للعولمة ومعارض لها، اعتماداً على انها تختصر الحقب والزمن بين نشاطاتها الصناعية ونتائجها التي ترسخ العقل البشري بمنظورات متعددة وصياغة برامج لتحديد هوية الثقافة للدفاع عن الخصوصية وتجنب مخاطر الحياد عنها، ومعارض كونها - العولمة – تسعى الى تغيير البنية الاساسية لمدلولات ومكونات الحياة وعلى مختلف المستويات فضلا عن زيادة معدلات البطالة وتقليص مركزية الدولة، فضلا عن عوامل تتلخص بالعقيدة والاخلاق وما الى ذلك. لا أعتقد أن اتساع رقعة الكون وحصرها في مجسات التقنيات الحديثة بإمكانه ان يحدد نشاط الشاعر بل يزيده اشراقا وتجاوزا لمحنة المحلية باتجاه رسم خرائط فعل ثقاقي متجدد، من هنا تظهر تجليات مدلول الشغل اليومي للمجتمع وتسليط الضوء على تقادمية وعجز المكونات القديمة عن مواكبة هذا التسارع اللحظي في طرائق الفعل والحراك الذي يعد نسفا للماضي وفق التصورات السياسية والاقتصادية والثقافية، ليظهر مفهوم الشعر واضحا في الاتساع وفقا للترابط ومقتضياته، ستنشأ في ضوء سمات ثقافية متغيرة ومشحونة بالدفع العولمي في تنوعاته لظهور النمط الجديد (ما بعد الحداثة) من خلال التطور المذهل والمتسارع في خطاب الايديولوجية والهويات، فضلا عن تعرض بعض المفاهيم الى تحولات مهمة في الخلق والابداع في حيز (العالم الواحد). قد نواجه في يوم ما خطرا يبدأ بريبة تختزل الحريات وتنمط العادات والثقافات وهي في هذا المجال التفاضلي بين الوجود والموجود فضلا عن المكان واشاراته العديدة في الحركة الهاربة والتي تشبه الى حد ما – اللا مستقر-  في الكامن من رؤيته كمجال محدد للإبداع. في ظل تسارع الاحداث والالتباس المطروح في مفاهيمية ثقافة المجتمع تحرص على تجنب تلك الاندفاعات والارتباكات والتشويش المتزايد وسط التناقضات التي قد ترسمها كوامن الفعل العولمي وتمظهره في الحياة وارتباطها بهذه المكونات والسعي في تجاوز محنة الارتباط الشكلي وتجدد الاسئلة المتكررة في ماهية العولمة ونسيج خيوطها المتشعب وفق الأطروحات الفوكويامية أحد أهم ما يبرز منها، وذلك لأن العولمة وثقافتها ومثقافة عصرها لم تقدم أي جواب عن الهويات الكيانية سوى ما تشتمل عليه.. الشعر هو الكائن الاجمل الذي يمد جسور المحبة ويفتح الآفاق الرحبة والمتجددة بفعله الخلاق.