من الأسرار التي لم أبح بها لأحد من الأصدقاء،
ولم أكتب عنها، هي محاولة انتحارية قمت بها مع مجموعة من الشباب المثقف العراقي بعد احتلال الكويت مباشرة، حينما صدرت روايتي (ربيع الضواري) في وقت ميت تماما ونحن مقبلون على حرب مدمرة، وحصار
قاتل وهزيمة منكرة، كل هذه الأمور اجتمعت لنتفق على حل بديل للوضع السياسي المتردي في البلد، فعقدنا العزم على تأسيس تجمع سياسي ثقافي شبابي يأخذ بزمام الأمور وبطريقة قانونية وشرعية، اذ فكرنا أن نقدم طلبا من خلال وزير الاعلام آنذاك (حامد يوسف
حمادي)، وهو سكرتير صدام في الوقت ذاته، أتذكر
من الأسماء التي كانت معي الدكتور المهندس (خالد المعيني) وهو صاحب فكرة التجمع، والمهندس
(عبد الرزاق العامري) والمهندس (مازن كمال)
وآخرين.
ومما كتب في الطلب المجنون، ) أن حزب البعث أصبح جهازا بوليسيا فَقَدَ كل تأثير له في الشارع (.. كل هذا ونحن ما زلنا نتنفس، طَلَبُنا مازال موجودا ضمن وثائق ديوان الرئاسة المنحل، أتذكر استقبال وزير الإعلام لنا (حامد يوسف حمادي)، كان على ملامح وجهه تعبير غريب بين التعجب من جرأتنا، وبين الضحك والسخرية من جنوننا... لكنه أخذنا على قدر عقلنا وتكلم معنا، وكنا مصرين على مواجهة صدام والحديث معه ومفاتحته بفكرة التأسيس، طبعا لم نستطع مقابلته، وصارت لقاءاتنا ومفاوضاتنا مع سكرتير صدام، النظام طبعا لم يسكت، إنما مارس عبر قنواته الأخرى من مؤسسات شبابية وطليعية كما يسميها، حاول استمالتنا
بالعمل من خلال تلك المؤسسات وإدماجنا مع موظفيها لينتهي أمر جنوننا، وإلا فثمة طرق أخرى
يمكن لها أن تكون دواءً ناجعاً لوقف هذا الجنون والتَّهور وكان واضحاً أننا تسلمنا شيفرات تهديد
مبطَّن إنْ لم نكف عن هذه الافكار الغريبة عن سياقات النظام الدموي، وفي النهاية لم تنجح كل محاولات النظام
في استمالتنا إليها بمؤسساتها، أما نحن فقد استمر نشاطنا مع مفاوضاتنا، وعَقَدْنا مؤتمرنا السياسي لتجمّعنا
الجريء هذا في يوم 10/6/ 1992 وقد حضره الكثير من النخب الشبابية والمثفقين والشباب المتحمسين الذين ينظرون لنا على أننا شباب نذروا أنفسهم للوطن وللخلاص من الحقبة السوداء وان بطريقة هادئة؛ بعيداً عن العنف والصدامات المسلحة، لكنَّ المضايقات استمرت علينا مما دفعنا أنْ نبتعد عن الاضواء قليلاً وأن نتواجد في مقهى الشابندر
وشارع المتنبي وكنت دائم الحضور هناك بحكم عملي وعرض مكتبتي الشخصية على أرصفة المتنبي بسبب الحصار الجائر، أصدقائي تحولوا إلى دراسة السياسة في كلية العلوم السياسية، التجمع استمر بعد السقوط ودخول قوات الاحتلال، بينما انشغلت أنا عنهم عبر مشاركاتي في مشاريع ومهمات أخرى هي ايضا تصب في الهدف ذاته، واليوم يذكرني صديقي الدكتور (خالد المعيني) بمشروعنا الوطني المجنون، وكم هو خطير وعظيم أن نحب بلدنا حد الجنون والمجازفة..