ذات ليلة

ثقافة 2020/11/17
...

  محمد جبر حسن
يبدو ان الكل مثلي، اراهم يمشون متباعدين وأحياناً متداخلين وينظر كل واحد منهم للآخر بلا كلام، انهم لا يعرفون بعضهم، ناديت على أحدهم بصوتي الذي لم أسمعه! 
ولوّحت بيدي للمارة القريبين مني.. ولذاك الجالس القرفصاء هناك قرب الجدار، لم يجب او ينتبه لي منهم أحد. إنهم لا يسمعون ولا يرون. 
نظرت الى شيء أثار استغرابي وجعلني في حيرة أكبر.. إن الكل متشابهون ولا أستطيع تمييز الرجل منهم من المرأة، والطفل من الكهل وحتى ملامحهم فيها شيء غريب لا اعرفه.
 يا للهول ما الذي يجري.. وماهذه الأرقام المختلفة والمكتوبة على ملابسهم من جهتي الصدر والظهر؟ 
ربما تكون بديلاً عن أسمائهم.
دعاني هذا ان انظر الى قميصي فرأيت أني مثلهم احمل هذا الرقم (15071412110902040508) الذي لم افهم معناه في بداية الأمر.. ولكن عندما قرأته بصوتٍ عال حدث شيء غريب!
لقد تذكرت أنني اعرف هذا الرقم جيداً.. شعرت أني أحبه وربما يكون له علاقة بأشخاص أحببتهم أو تربطني بهم رابطة.. كأن يكونون اولادي أو اخوتي، لكن ماذا يعني لي هذا؟ 
هل هو مفتاح لذاكرتي التي بدأت استرجعها شيئاً فشيئاً.. وهل تكون هذه الأرقام المكتوبة على ملابس الناس كلمات السر(باسووردات) لذاكرة كل واحد منهم وتحتوي بياناتهم التي تعزلهم عن الآخرين؟ 
قد يكون هذا هو التفسير المنطقي، وإن كل شخص له عالمه الخاص الذي يعيش به هو فقط!
سأحاول ان اقترب من أحدهم وأقرأ الرقم المكتوب على صدره عسى أن ادخل لذاكرته وأفهم ماذا يحدث بالضبط.. فلأبدأ بهذا الرجل الذي وقفت جنبه..
 9753086044106 ما هذا؟ 
لا شيء يحدث، لم أتلق اي ردود أو اشارات ذهنية، ربما اكون اخطأت بقراءة الرقم، سأكرر المحاولة مرة أُخرى، ايضاً لاشيء يحدث، سأحاول مع أشخاص آخرين.. لقد فشلت كل المحاولات، سوف لن اتوقف وأبقى مصرّاً على ان أجد طريقة أكسر فيها هذه الرتابة وأفك الغموض الذي أنا فيه، لابد ان أفهم ماذا جرى لي وللناس. 
فجأة انتبهت على شيء كنت غافلاً عنه، ان الجميع يرتدي ملابسموحدة بالشكل ولا يميّزها غير الوانها.. الآن بدأت اعرف بعض الشيء واتمنى ان يكون صحيحاً، فمثلاً ان الذي يرتدي ثوباً ازرقَ مثل الذي ارتديه أنا هو رجل، والذي يرتدي ثوباً لونه أحمر غامقا تكون امرأة، ولكن.. ماذا يعني اللون الأبيض الذي يرتديه ذاك الشخص؟وذاك باللون الرمادي الواقف قرب البوابة والقريب منه يرتدي الأصفر؟ 
لا لا.. هذه الألوان ستخلط الأمور وتعقدها أكثر.. أشعر أني قد ابتعدت عن فهم ما اراه وإن رأس الخيط أُفلت من يدي بعد أن كدت أمسك بالعصفور وأصل الى معرفة الحقيقة. 
بدأت اتكلم مع نفسي وأحثها ان لا تيأس.. ماهذا يا رجل اعرف أنك لا تستسلم ببساطة، عليك أن لا ترفع الراية البيضاء بسهولة..نعم لم يسيطر اليأس عليَّ وبدأت افترض افتراضات تناسب ألوان الملابس وأفكّر مع نفسي بصوتٍ عال. 
ماذا لو كان كل لون يمثل جنسا معينا؟ مثلاً اللون الأزرق للرجال والأحمر للنساء المتزوجات ولنفترض اللون الأبيض للنساء غير المتزوجات والذين يرتدون اللونين الأصفر والأخضر هم الأطفال واليافعون، ولنقل ايضاً ان اللون الرمادي هو للمسنين وهكذا، يبدو ان الافتراضات منطقية وتتناسب مع ما اراه.
الآن سأجرب ان اتعامل مع الناس وفق ألوان ملابسهم حتى اتعرف على اجناسهم.. لكن قبل هذا عليّ ان أتأكد أنهم مثلي يدخلون الى عالمهم الخاص بعد أن يقرؤوا أرقامهم بنفسهم لتُفك شفرة ذاكرتهم.
سأبدأ بهذا الشخص ذي الملابس البيضاء وأدعوه.
لا بل أدعوها بوصفها امرأة غير متزوجة أن تقرأ الرقم المكتوب على صدرها وتدخل هي الى ذاكرتها وأنتظر رد فعلها.وبمجرد أن طلبت منها ذلك.. صفعتني بقوة جعلتني أفيق من غيبوبتي التي كنت فيها منذ فترة.. لأرى الممرضة الحسناء بثوبها الأبيض الناصع تقول لي وبغضب شديد.
- ما بالك يا رجل...لقد استأصل لك الطبيب الجراح الزائدة الدودية منذ ساعات.. وأنت مازلت تحت تأثير المخدر تريد مني رقم موبايلي!