تستذكر ثقافية الصباح وفاة أحد عمالقة الأدب الروسي الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي والمعروف بـ(ليو تولستوي) إثر اصابته بالتهاب الرئة في 20/ كانون الثاني العام 1910، عاش تولستوي وهو يعتنق فكر المقاومة السلمية، وعرف بفيلسوف الاخلاق، حيث تربعت رواياته على قمة الأدب الواقع.  

ولد ليو تولستوي في مقاطعة تولا عام 1828، في أسرة نبيلة كان ولده الكونت نيكولاس تولستوي، وأمه الأميرة ماريا فولكونسكي، وعاش مع أخيه في القوقاز لفترة من حياته، كما وشارك في بعض المعارك التي كانت ضد جيش المريدين بقيادة الإمام شامل. واستمر في عمله كجندي في حرب القرم حتى عام 1855، وبعد تقاعده من الخدمة العسكرية سافر إلى أوروبا الغربية وأعجب بطرق التدريس هناك. ولما عاد لمسقط رأسه بدأ في تطبيق النظريات التربوية التقدمية التي عرفها.كما وبرع تولستوي الذي قال: (بأن الفن لا يقلّ  أهمية عن الخبز، وليس أقل أهمية في أيام المجاعة والأوبئة والحرب، وفي تقديسه للطبيعة من خلال اعتقاده أن نقاء البشر وسجيتهم قد أفسدتهما المطالب المصطنعة للمجتمع والحضارة)، بفلسفة التعمق في القراءات الدينية، ودعا للسلام وعدم الاستغلال، وعارض القوة والعنف في شتى صورهما. 

أهتم الكاتب الروسي بالأدب العربي والثقافة العربية وكذلك الأدب الشعبي العربي، فأطلع على الحكايات العربية منذ طفولته، ومنها حكاية "علاء الدين والمصباح السحري"، و"ألف ليلة وليلة"، و"علي بابا والأربعون حرامي"، و"قمر الزمان بين الملك شهرمان"، ولقد ذكر هاتين الحكايتين ضمن قائمة الحكايات، التي تركت في نفسهِ أثراً كبيراً، قبل أن يصبح عمره أربعة عشر عاماً.حياته الخاصة تمثلت بزوجته صوفي بيرز التي أثبتت أنها خير الزوجات وأفضل رفاق الحياة بالرغم من أنها تصغره بستة عشر عاماً. وانجبت له 13 طفلا مات خمسة منهم في الصغر. لقد كان زواجه ملاذه في هدوء البال والطمأنينة، لأنه كان يعيده إلى واقع الحياة هرباً من دوامة أفكاره. كما أن زوجه صوفي كانت خير عون له في كتابته. ومن أشهر رواياته (الحرب والسلام)، والتي تمثلت بدمج تولستوي فيها لشخصيات مختلفة منها الرئيسة وأخرى ثانوية وتاريخية وخيالية، ابتدعها تولستوي نفسه، وقدم عبرها صورة مفصلة لحياة طبقة النبلاء الفاحشة والمترفة إبان عهد الحكم القيصري في روسيا.

اما (آنَا كارينينا) والتي بدات بالجملة المشهورة: "كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة". وتميزت هذه الرواية بانها تمتلئ بنماذج بشرية كثيرة، معظمها مهووس، فمنهم من يكمن هوسه (بالطبقية، النبل، الإرث الثقيل) وهذه هي غالباً نماذج مهتزة غير سوية، تتفاعل في داخلها صراعات كثيرة، أبرزها ما بين القلب والعقل أو بين الحب والواجب، وما بين القشور واللباب، وما بين تخلف الإكليروس وحركة التنوير في أوساط المثقفين الروس.وفي كتابه الفلسفي (مملكة الرب بداخلك)يؤكد عبر أفكاره الفلسفية أن السلم والصلح هو طريق السلام وينبذ العنف أو ما يدعى بالكفاح المسلح. 

لقد كان هذا الكتاب بمثابة إحياء فكرة قديمة، أثارها في منتصف القرن التاسع عشر ديفيد هنري ثورو لأجل المقاومة السلمية وسياسة المقاطعة، التي نادى بها في الولايات المتحدة لمقاطعة الدولة وعدم دفع الضرائب، التي سنتها أميركا لدخول الحرب مع المكسيك، وكانت تلك الفكرة هي بداية (المقاومة السلمية) التي لم تستمر قرابة النصف القرن حتى جاء تولستوي ليعيد الفكرة للحياة، ومن كتب تولستوي أيضاً كتاب (ما الفن؟). ويرى فيه أن الفن ينبغي أن يُوجِّه الناس أخلاقياً، ويحسن منهم، وذلك بدلاً من الفن البسيط الذي يخاطب عامة الناس.ومن عناوين أعماله أيضاً (الطفولة والصبا والشباب، الحاج مراد، موت إيفان إيليتش، قوة الظلام، الجثة الحية، قصص سيفاستوبول، العمل، والموت، والمرض، سوناتا الكروتزر، تقطيع الأخشاب ذكريات مسجل البلياردو، العاصفة الثلجية، الفارسان، الأب سيرغي، العجوزان،

 الناسك).