في كل مرة أزور بها السليمانية عروسة كردستان أكتشف شيئا جديدا وأرى من خلاله جمالا في المدينة وأرواح البشر الممتلئة طيبة وحبا ورغبة كبيرة في احترام الآخر والتكاتف معه، وكان غرضنا الأول من هذه الزيارة هو الذهاب الى معرض الكتاب المقام هناك ولكن للأسف الشديد لم نجد ما نصبو إليه فضلاً عن بعض العراقيل التي صادفتنا... أولا مكان المعرض بعيد جدا عن فندقنا الذي نزلنا فيه، وثانيا غياب الكثير من دور النشر العربية والعراقية، وثالثا الأسعار التي لا تسمح لنا بشراء ما نرغب من عناوين ... من الدور العربية المهمة المشاركة هي (دار التكوين، دار نينون، والعراقية، دار الرافدين، ودار شهريار، ودار قناديل، ومكتبة اتحاد الأدباء واتحاد الناشرين التي اختصرت حضورها بمؤسسة العصامي العريقة للطبع والتأليف والنشر)، والباقي هي دور نشر مصرية غير معروفة فضلا عن دور النشر الكوردية الكثيرة جدا والتي ربما تشكل ثلاثة أرباع المعرض والباقي دور نشر عربية وعراقية، ما لفت نظري مكتبة سورية لصاحبها (اسماعيل الحجي)، قام هذا الرجل بجمع معظم الكتب القديمة الصادرة عن وزارة الثقافة السورية قبل أكثر من ثلاثين سنة، فضلا عن إصدارات دار الهلال المصرية وبعض دور النشر اللبنانية، فوجدت مثلا الرواية العظيمة (رحلة في أقاصي الليل) للروائي الفرنسي (لويس- فرديناند سيلين)، وقد اشتريت قبل فترة من شارع المتنبي الرواية نفسها بترجمة أخرى صادرة عن دار نشر مصرية وقبلها بعث لي صديقي الشاعر المصري (محمد أدم) طبعة ثانية من الرواية نفسها وبترجمة مختلفة صادرة عن دار نشر أخرى وهكذا أصبحت لدي ثلاث ترجمات لرواية واحدة والتي تعد من أهم روايات القرن، لمؤلف فرنسي لن يجود الزمان بمثله، وقد مات هذا الرجل في عزلته كاتبا ملعونا بسبب التهمة التي التصقت به بأنه معادٍ للسامية، وبمناسبة الحديث عن (سيلين) فهو يقول (إنني أكتب للناس الجالسين في بيوتهم وحين يقرؤني هؤلاء بصوت خافت يشعرون بأن أحدا يكلمهم، يتحدث إلى أعصابهم وليس إلى آذانهم، لأنني أكتب بحميمية فائقة ) .. هذه هي السليمانية إذن مدينة الحداثة والمعاصرة والتراث، مدينة الجمال الفائق التي أحببتها منذ زمن بعيد وأحببت أناسها الطيبين الذين يشعرونني بأخوة كبيرة خصوصا الشاعر الكوردي الحداثي (صلاح جلال) الذي لم يدخر جهدا في تقديم كل ما من شأنه أن يشعرني بالراحة والسعادة والفائدة، فهو مضياف وكريم رغم ضيق ذات اليد، لديه رواية جديدة صدرت باللغة الكوردية يقول عنها إنها متكونة من جملة واحدة داخل قوس.. سلام إلى ربوع وجبال وسهول هذه المدينة الأليفة التي أشعر بها وكأنها يوتوبيا الروح، لكنها للأسف مدينة محاصرة وفقيرة بسبب اقتصادها الهش وانقطاع رواتب موظفيها، فقد أخبرني أحد سوّاق التاكسي أنهم تسلموا خلال سنة واحدة ثلاثة مرتبات فقط.. رغم كل ذلك ستبقى السليمانية مدينة الجمال والنضال والحب.