لحظات

ثقافة 2020/11/22
...

 عماد رسن
 
 
اللحظة (1) 
في البدءِ كانت الكلمة 
سقطتْ سهواً من نص 
مقدّس.. فاستوت على الجودي. 
لم تمتْ.. تمرّدتْ على القدر 
لتركلَ الماءَ بالحرف.. بحرفها 
فتنبتْ قصيدة تشكّلت، حرفاً فحرفاً، كلمة 
فكلمة، شطراً فشطراً، بيتاً 
فبيتاً.. تبسمتْ شفتاها 
وانتشيا نهداها.. تورّدت حلمتاها 
كزهرتين في الربيع 
وجرى الدفءُ دماً في عروقها 
لتصير قصيدة بسن الرشد.
 
 اللحظة (2) 
تجمّد الدم في عروقها 
سقوط في الهاوية، حجر لا يسعفه 
الصمت في دمه.. يموت من ثقل العاطفة 
المتكلّسة في مسامات هيأته 
يموت الوقت فيها كذبابة على النافذة
 يشبه سقوط تفاحة نيوتن من الشجرة. 
لقد غيّرت العالم.. صار ثملاً 
فنجا من عنق الزجاجة 
تفاحة آدم تخنق الصوت في الحنجرة 
ترهقها الرغبة 
الجامحة في ممارسة الجنس 
بعد أن تحوّل الصوت إلى حبل يشد 
صاحبه نحو المشنقة 
وعاصفة من القمع الممنهج 
تمارسها الدولة الغريزة 
البيولوجية التي وظفتها السلطة. 
 
اللحظة (3) 
باشرت اللذة سقوطاً في الخطيئة 
الخطيئة تأكل الخبز معنا.. كل يوم 
تصلي معنا.. تسكرُ معنا.. تؤمنا 
صباحاً في مسجد المدينة 
وترقصُ بنا بعد منتصف 
الليل في الملهى.. تصبغُ أحذية 
المارة.. وتحرقُ السكائر كمجنون 
يشعلُ حريقاً في رئتيه 
تحرقُ ضميراً خرج توّاً من صالة العمليات 
وتشوهُ صورة أيِّ محبٍّ في جواز سفره.
 
 اللحظة (4) 
محاولة للهرب 
نسقطُ من عربة النقل العمومي 
كأيِّ حقيبة فارغة إلّا من ملابسنا الداخلية 
يتلقفنا الرصيف.. فننجو ونحلُّ 
ضيوفاً على مستنقع 
الرذيلة حيث المتعة وشيء من العار 
يلاحقنا.. محاولتنا للهرب 
تكللتْ بالنجاح
فما زلنا على الرصيف 
ننتظر الرحلة المقبلة. 
 
اللحظة (5) 
محاولة للاغتراب 
نسقط من قارب الهجرة 
كأيِّ كيس بطاطا من عربة خضار 
كما تسقط همزة، أو نون نسوة من نص ذكوري 
نسقط سهواً، وبلا معنى في عرض 
البحر.. البحر عميق، لكن الجرح على ناصية 
القلب أكثر عمقاً.. البحرُ عقيمٌ لا يمنح فرصة 
لنجاةٍ أرحم من الزجاجة
والشظايا التي تطايرتْ منها تجرح 
مشاعرنا.. تتركنا رماداً على شفا شفتين يابستين العطش يقتلهما.. والرغبة في سرقة 
قبلة خلف صفصافة في حديقة عامة. 
اللحظة (6)
 الحلمُ شبّاك يطلُّ على الزقاق 
سقوط القمر، نهاية ألف 
عاشق على الطاولة كما ينهي 
لاعب النرد حياته في لعبة قمار 
سقوط من فرسٍ في معركة 
ينطفئ الفارس حين ينطفئ 
البريقُ في سيفه.. حينما يموت 
الشوقُ في عينه.. الشوقُ لحياةٍ على الرصيف، 
بشرف أو موت أسطوري، كما تموت 
انصاف الآلهة في الاوليبموس 
يموت 
الشرف خنقاً بين فخذي فتاة 
عذراء.. أما الجاني، فينجو بفعلته 
متنكّراً بشاربين عريضين، ينتصبان كلما 
صفقتْ لهما يدُ الذكورة ابتهاجاً.
 
اللحظة (7)
الرغبة جامحة 
سقوط في الحب، القاتل 
المحترف الأول منذ بدء الخليقة 
يقتل المارة بلا معنى.. يقتل 
الشاعر في القصيدة وعازف 
الكمان على قارعة الطريق 
لم يكن الحب في يوم من الأيام 
فارساً شريفاً.. ولم يكن 
طاهراً كصفحة من كتاب 
مقدّس.. كأيِّ قاتلٍ مأجور، يشبه 
فوهة من رخام يسقط فيها المحبون بمحض 
إرادتهم مع قصائدهم المتعبة من ركوب الخيل 
أحلامهم التي تعفّنت، وأمانيهم المعلّقة 
كحذوةِ حصانٍ على الجدار 
ينقضُّ عليهم كأرملةٍ سوداء تنشر 
شباكها حتىّ في قاع هاوية 
تنتظر سقوط المزيد من 
الحمقى.