هل يصبح الكتاب الورقي من مخلّفات الماضي؟

ثقافة 2020/11/22
...

استطلاع: حسن جوان
تأثر قطاع النشر في العالم وفي العراق بشكلٍ مباشر بجائحة كورونا، التي أنتجت صعوبة تداوليَّة ومنع التصدير لأي وسط ناقل للفيروس، وفي ظل غياب الدعم الحكومي لمشاريع النشر التي تعطلت قرابة ثمانية أشهر، كيف يمكن الحديث عن واقع الكتاب الورقي ومستقبله في ضوء تحديات عصر النت والنشر الالكتروني، وماذا تبقى 
للناشر من جدوى اقتصادية في مشروعه مقابل الجدوى المعرفية؟، هل هناك مسعى لجعل الكتاب الورقي 
جزءاً من مخلفات الماضي؟.
هذه التحديات طرحناها أسئلة على أربع دور نشر بارزة فأجاب ممثلوها عبر هذا الاستطلاع الخاص بـ «الصباح»:
يقول د.حسين مايع مدير دار قناديل والأمين العام لاتحاد الناشرين العراقيين: «لا شك أنَّ قطاع النشر الورقي في كل العالم قد تأثر كثيراً بسبب جائحة كورونا، فهذا الأمر في بدايته أدى إلى توقف عمل المطابع ودور النشر والمكتبات تماماً، وكذلك معارض الكتاب التي تعدُّ منفذ التوزيع الأهم بالنسبة لدور النشر، وكان العراق أكثر تضرراً من بقية البلدان؛ بسبب موجة الحر القاسية التي ضربت العراق وامتدت لشهور صيف 2019 وما تبعها من حركة احتجاجات شعبيَّة، ثم أزمة كورونا، فأدى ذلك كله إلى توقف شبه تام في عالم النشر وبالتحديد شارع المتنبي الذي يعدُّ رئة دور النشر والمكتبات ومركزها الرئيس، ولكن بعض دور النشر والمكتبات عاودت عملها بعد رفع الحظر جزئياً، عن طريق خدمة التوصيل المنزلي، ثم افتتحت جميع الدور والمكتبات أبوابها بعد رفع الحظر بشكلٍ كامل، وبدأت انطلاقة جديدة في العمل، ولكن الأزمة الاقتصاديَّة الأخيرة عطلت هذه الانطلاقة إلى إشعار 
آخر».
ويضيف مايع: «لا يمكن للكتاب الورقي أنْ يختفي الآن وبهذه السرعة، فما زال في الصدارة برغم كل الصعوبات التي تواجهه من عمليات قرصنة وانتهاك لحقوق الناشر والمؤلف والمترجم، وهذه أوروبا وبرغم التطور التكنولوجي الهائل هناك وبرغم الأزمات العالميَّة التي مرَّتْ بها، إلا أنَّ الكتاب الورقي ما زال متصدراً للمشهد، وتباع منه ملايين النسخ يومياً، ولعلَّ مرد ذلك إلى أسبابٍ عدة، منها: أنَّ قراءة الكتب الورقية بحد ذاتها غاية لا وسيلة، ففيها متعة لا يمكن توفرها في الكتاب الإلكتروني، كما أنَّ هناك حميميَّة بين القارئ والكتاب الورقي.. أما ما يتعلق بالجهات الحكوميَّة فهي كعادتها لم تدعم قطاع النشر بأي شكلٍ من الأشكال، وأحياناً تقف بالضد منه».
وختاماً أرى أنَّ قطاع النشر العراقي قد تطور في السنوات الأخيرة بشكلٍ ملفت للنظر، وبجهود فرديَّة ومحدودة، بعد سنوات من الانقطاع عن العالم في حقبة النظام الدكتاتوري».
وعن دار مخطوطات في بغداد يرى مديرها كريم طه: أنَّ «جائحة كورونا أثرت في مجمل الاقتصاد العالمي سلباً وقطاع النشر جزءٌ من هذا. بالنسبة لموضوع وصول الكتب من بلدٍ لآخر لم يتأثر واستمرت دور النشر بإصدار عناوين جديدة من الكتب ولكنْ بشكل أقل من السابق بسبب المردود الاقتصادي المتناقص جراء الأزمة ولكنَّ حظر التجوال كان له شيء مختلف، إذ نشطت عمليَّة توصيل المطبوعات إلى الزبائن بأعداد أكثر من قبل بدء 
الأزمة».
أما عن دعم وزارة الثقافة لدور النشر فلا نقول إنه خجول ولكن لا يذكر، علماً أنَّ الوزارة لديها مطبوعات خاصة بها وخاصة بعام بغداد عاصمة الثقافة التي شابها الكثير من الفساد، وما زالت تلك المطبوعات تتكدس في المخازن من دون أنْ تعرض للجمهور ولا أحد يعرف ما هو السبب.
وعن الكتاب الورقي فبالتأكيد قد قل الإقبال عليه بسبب الكتاب الالكتروني ولكن ما زال جزءٌ ليس باليسير من القراء يفضلون الكتاب الورقي وكأنَّ المسألة فيها شيء من الحميمية، ولكن تلافياً للوقوع في خسائر بادرت دور نشر عدة بطرح نتاجها على مواقع الكترونية بطريقة الدفع الالكتروني وهذه الطريقة اشتغلت عليها الكثير من دور النشر الأوروبيَّة».
ولا يخالف كثيراً ياسر أسود المتحدث عن مكتبة ودار نشر عدنان ما تقدم إذ يقول: «لا أعتقد أنَّ الكتاب الورقي يمكن أنْ يصبح جزءاً من مخلفات الماضي، بدليل أنَّ الكتاب الالكتروني اقتحم عالم القراءة منذ قرابة العقدين، لكنْ لم يستطع أنْ يلغي نظيره الورقي وما زال الأخير يتصدر من الناحية التداولية على مستوى العالم لأنَّ له ثقافته وعاطفته ومريديه. 
أما عن غياب الدعم الحكومي لمشاريع النشر فإنها ليست وليدة زمن الجائحة خلال ثمانية أشهر بل نحن نعاني من غياب الدعم منذ 17 عاماً، لا من ناحية تسهيل أجور النقل أو المشاركات ولا بدلات الإيجارات المرتفعة. لقد تأثرت دور النشر من انقطاعها من المشاركات العربيَّة في المعارض الدوريَّة على مدار السنة، أي قرابة 14 معرضاً في دول مختلفة، فضلاً عن تبادل الخبرات والإصدارت، ما يعود علينا ببعض الأرباح والتعويضات على مدار السنة. لكننا نتأمل خيراً بعد عودة المعارض العربية -الشارقة حاليا- يليه معرض بغداد القريب».
وفي إسهامته يرى ستار محسن مدير دار «سطور» بأنّ: «هناك عوامل محليَّة وإقليميَّة وعالميَّة أثرت في واقع النشر، التأثيرات المحلية تمثلت بالوضع السياسي بشكل خاص في مدن الوسط والجنوب منذ انطلاق تظاهرات ٢٠١٩/ ٢٠٢٠ الى الآن، فضلاً عن غياب الدعم الحكومي وغياب الرقابة على عمليات القرصنة واستنساخ الكتب، وهذا يؤثر في عملنا بشكل خاص. وفي ما يتعلق بجائحة كورونا أهم مشكلة واجهتنا توقف معارض الكتب في كل العالم كونها سوقاً لتصريف وعرض منشوراتنا وتوقف نشاط شارع المتنبي لأكثر من ٦ أشهر، علاوة على معضلة عدم تمكننا من طباعة عنوان جديد لعدم توفر السيولة النقديَّة. 
الى الآن لم يتمكن الكتاب الالكتروني من إقصاء الكتاب الورقي على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي، وما زال العراق من بين أكثر البلدان العربيَّة قراءة رغم كل المعوقات، وقد اعتمدت «سطور» مبدأ توفير المطبوع للقارئ من خلال تقديم تسهيلات لمكاتب بيع الكتب في المدن العراقيَّة».