فاضل ضامد
نجمة تولد على قماش اللوحة كفنانة بارعة، عمر لا يتجاوز الطفولة، ثقة عالية وبراعة التحدي واكتشاف الذات، إنها الفنانة مريم أحمد.. تقترب مع كل لوحة كاملة الى الولوج الى عالم التغريب والتجريب لم أشعر أنّ طفولتها كانت تمهدها الى عالم المدارس الفنية، لكن براعتها ووعيها تجاوز ذلك لتعمل فرشاتها خارج أُطر الزمن باعثةً روحاً جديدة على أعمالها تماماً لا نفرق بين أعمال كبار الفنانين المبسطين للشكل والخط واللون بمساحات فارهة في الوجه أو لأي مكان آخر تجد أنك تتحرك على مديّات شاسعة من اللون، لا تهتم كثيراً للتفاصيل لديها ما يشعرها أنها فنانة متمركزة على سطوتها الجديدة في الحياة ومتعتها الأولى حتى تُنفس عن دواخلها الحرجة التي وضعتها في مكان نأسف جميعاً عليه إنه مرض رئوي مزمن، رافقها عبر سنوات خلت هي ورفيقتها قنينة الأوكسجين كأنها الصديقة الحنونة المنقذة، ومع ذلك عندما تُجالسها تشعر أنك برفقة فنان كبير بلغة قادرة ومتمكنة وحصينة تعبر عن نفسها بشكل حر وشجاع تؤكد على مخارج الحروف لثقتها العالية بنفسها. الفنانة الصغيرة مريم أحمد بعمر الورد، زهرة تفتحت على اللون والفرشاة، تأخذ من حياتها مواضيعها الطفولية واشتغالاتها كأسلوب فنان واعٍ، لا تجد أي مخالفة فنية في أعمالها بل هي تجيد بناء وهيكلية العمل الفني، متوازنة على سطح القماش فالخطوط والمساحة واللون كل منهما يشكل فهماً حسياً يشاركها مشاعرها الصغيرة فالخط ولادة اللوحة والمساحة فضاء اللعب التي غابتْ عنه مرغمةً بسبب مرضها، أما اللون فهو الحاجة الملحّة للتعبير عن مشاعرها، وجدتُ الأحمر وأقرباءه ينتشر كثيراً في أعمالها، لا شعورياً هي ثورة على المرض وتحدٍ لتخرج من هذا المأزق المؤلم، تضعنا مريم الفنانة القديرة الصغيرة في مكان نتأمل فيه تاريخ طفولتنا وأيامنا العصية في زمن القحط والخوف فكل ماض للعراقيين هو حالة لا تحمد، مريم عبرت عنا بتلك الوجوه الملونة على شخوصها وكائناتها من الناس والطيور والزهور وغير ذلك.. ترسم مستقبلها وتضعنا بين خيارات عدة من أي مكان نبدأ لإنقاذ طفولتها الرائعة.
الرسم عند الأطفال يبدأ من شخبطة ثم يرتقي، مرورا ببعض الأشكال الدائرية حتى نحصل على دائرة كاملة كان الوجه الاول هو المقصود المحفوظ في ذاكرة الطفل، وهكذا كانت رسماتها تبدأ ببعض الوجوه، شخوصها تنتمي شكلاً ولوناً الى بيئتها الحارة وهي تستخدم الألوان الدافئة.. حتى اكتملت الرؤيا لديها كان نتاجها مواضيع بسيطة من واقعنا المؤلم.. بين الشكل والمضمون يتمحور اداؤها بين هالتين.. أولا: تختار شكلا من وحي الخيال؛ لذا تستند اساساً الى مخيلة طفولتها الحرة ثم نجد بعد تنفيذ العمل هناك أكثر من طفولة جادة ترسم ذاتها وروحها، ثانيا: ثم تأخذ من المحيط بعض الموضوعات لتكون سندا قويا مجاورا لأعمالها الذاتية. في معرضها الأول قدمت مريم لوحات تعبيرية رائعة حاولت أن تضع بصمة مختلفة عن الآخرين لتكوين شخصية ذات أبعاد فنية بأسلوب المتمرس المقتدر، ربما لم تدركها صحتها لإنتاج أعمال أكثر وأكبر حجماً وأكثر كثافة لكنها كانت بداية المشوار او ربما تجاوزت خط الشروع كفنانة، جميع اعمالها التي قدمتها في المعرض تم اقتناؤها من قبل المتلقين، التأمل والتفاعل لدى المتلقي كان بمستوى عال نحن الآن أمام قدرة فنية وشخصية جديدة تدخل أبواب الفن من مكان واسع.