د. حسين القاصد
النقد في أحد أهدافه يعد إعلاما أدبيا، فهو من بين مهامه أن يجيب عن سؤال مفاده: هذا النص جيد أم لا، والجواب في كل الحالات سيعد خبرا دعائيا، ويسبب الترويج للجيد، والتحذير من غيره؛ وهو بهذه الوظيفة شأنه شأن وسائل الاعلام، بين أن يكون مستقلا ويعمل صادقا لوجه الأدب، وبين أن يكون حكوميا أو حزبيا أو تجسّسيا في أخطر غاياته.
فالناقد الأدبي المسلوب القرار يعمل موجها أدبيا لا ناقدا أدبيا، فهو اذ يرفع من شأن الأدب السلطوي - إذا جازت التسمية- يسهم بتأثيث وجه السلط وتلوين وجهها الخارجي بألوان محببة؛ والنقد وفق هذا، يكون وسيلة اعلام سلطوية موجهة.
وكي نسلط الضوء على اعلامية النقد، لا بد من سياحة في الموروث الادبي، فقد جاءنا من هذا الموروث خبر مفاده أن علقمة الفحل، بعد أن نقلوا لنا تفاصيل حادثة تفضيل أم جندب علقمة على امرئ القيس ، ومن الموروث ـ
أيضاـ عرفنا أن قصيدة عمورية كأنت أشبه ببيان عسكري يعلن انتهاء المعركة بالنصر ويخلد تاريخها وابطالها، ومن النقد جاءنا خبر الموازنة بين الآمدي والبحتري،
ومنه عرفنا ـ
أيام العرب عبر وسيلة إعلامهم الأسرع وهي الشعر، فمنه عرفنا القادة والحروب والأحداث، حتى دخل الشعر وظيفة المؤرخ وصار يؤرخ للوفيات؛ ولأن الشعر بسطوته الإعلامية يمثل الصدارة عند العرب يوم لم تكن لديهم صحافة أو قنوات فضائية، صار النقد ـ الذي دائما يصل متأخرا ـ ينافس الشعر على علاقته بالسلطة السياسية، حتى صار الناقد اقرب للسلطة من الشاعر أو الأديب بصورة عامة، وصار له أن يرسم ويقنن الخارطة الإبداعية، ويجعل توصيات السلطة السياسية قالبا ثابتا، ويبدأ بالتنظير له، ويشيد بمن يتبعه، ويعدها معيارا إبداعيا مبيّتا النوايا وكامنا الغاية السياسية على الغاية الإنسانية
للأدب . وهذا ليس جديدا، اذ لم يدخل العرب عالم النقد ويتوغلوا في دواخل النص واستنطاقه والوقوف عند دكة المغزى الذي يريده المؤلف إلا بأدوات دينية ـ وأحيانا تكون تعسفية ـ تحاول ليّ المعنى وتوجيهه لما يميل له هوى نفس القارئ/الناقد ـ إذا حُق لنا أن نسمي من قاموا بالتصدي للنص الادبي بلباس ديني نقادا!!
لأن الغاية الأسمى والهدف الأنبل ـ من وجهة ميولهم ـ هو الاقتراب من المبتغى القرآني والإحاطة به ولو بقدر بسيط، فاتحين بذلك باب التأويل والاستطراد والإفراط به على مصراعيه، لاسيما بعد أن أدركتهم العجمة، حين اتسعت الدولة الاسلامية، وتداخلت اللغة العربية مع اللغات الأخرى بعد الفتوحات الاسلامية.