حياةٌ تتهدد.. حوار ينتعش

ثقافة 2020/11/25
...

علي وجيه 
الثقافةُ العراقية ثقافةُ فرد، وليست ثقافة جماعة، أو ثنائيات، بل يندرُ تماماً أن نجدَ عملاً ثقافياً جماعياً ناجحاً، وربما يفشلُ عشرون اسماً لامعاً بإدارة ملف ثقافي، بينما ينجحُ فردٌ واحد منهم بأن يكون ذا 30 كتاباً مهما.
الأمر نفسيّ، وشخصيّ، ومتعلقٌ بتلك “الأنا” العملاقة لدى العراقيّ بشكلٍ عام، الأمر الذي ضرّر كل شيء، فكلّ فردٍ منا إله، أو نصف إله، ولا يأتيه الباطلُ أو الخطأ من أيّ مكان، وفي أيّ مورد. ثقافةٌ صلبة، بدويّة بدائيّة، أقلّ ما فيها الاعتذار، والسِجال، والاحتفاء، على عكس ما يُرى بثقافات عربيّة أخرى.
وفي المكتبة العراقية تحديداً، تندرُ، وتكاد تُفقَدُ، كتب المراسلات، والحوارات، فالحوارُ هو اعترافٌ بالآخر وقيمته، وعدا كتاب رسائل مشترك بين سامي مهدي وحميد سعيد، وكتيّب برسائل قليلة بين حسين مردان وشاكر حسن آل سعيد، لا يحضرُ في ذهني كتابٌ آخر، بينما تحتفي ثقافات العالم بمراسلات يونغ وفرويد، هيدغر وآرندت، غوركي وتشيخوف، تولستوي وغاندي، تكادُ تغيب هذه الرسائل، اللهم إلاّ المكياج المتأخر لغادة السمّان بفضح عشّاقها ومعجبيها! 
الأمر اختلف بهذا النسق حين صدر مؤخراً كتاب (حياةٌ تتهدّد)، وهو بعنوان فرعيّ “محاورات ويوميّات كورونا”، بين الشاعر عبد الزهرة زكي، والقاص والروائي والأكاديمي د.لؤي حمزة عبّاس، عن دار شهريار بـ200 صفحة من القطع المتوسط.
يتحقّق في “حياةٌ تتهدد” عناصرُ الحوار الثقافي جميعها، اختلاف الرقعة الجغرافية بين بغداد والبصرة، واليوميّات الحميمة، والسؤال الثقافي، والاستذكار، والاحتفاء، بطريقةٍ هادئة تُشبه الرجلين وكتابتهما وسلوكهما، حديث عن المدينة الخالية، عن الخوف، عن تطورات الجائحة، مع مرور على الأدب 
والتشكيل.
هذا الحوار الثنائي، الذي استدعى كتابة هذه الأفكار بشأن الجائحة، كان بحاجة إلى حوارات أخرى من آخرين، بشأن السرد والنقد، الشعر والتشكيل، النحت والصحافة، وسواها من إضاءات نصّية تُضيف إلى المتون الرئيسة في الثقافة العراقية الأحادية الفردية. 
في زمن الوحدة والعزلة، والتواصل الالكتروني بين البشر عموماً، والأدباء خصوصاً، بسبب الجائحة أو إيقاع الحياة بشكل عام، تبدو الحاجة لتجدد الحوار، بين أصابع مستيقظة في الليل، تعمل على الكيبورد حتى الصباح، مع آخر في مكان آخر.