د. يحيى حسين زامل
في كل يوم نسمع إطلاق الرصاص من هنا أو هناك، فيفز الناس خائفين والاطفال يصيبهم الخوف والرعب، فيقال إنها عركة أو (دﮔـه) أو تشييّع أو عرس...الى مالا نهاية من مناسبة أو غير مناسبة، وكأننا لسنا في العاصمة بغداد، واظن وإن كان الظن لا يغني من الحق شيئا أن الريف يكون اهدأ من العاصمة، فبغداد وأهل بغداد أصبحوا من كثر هذا الفلتان الأمني والاجتماعي والثقافي قاب قوسين من الانهيار، نعم لا نبالغ إن قلنا انهيارا لمجتمع لا تسمع منه في اي مشكلة من مصطلحات سوى عطوة وفصل و(دﮔـه)، مع شباب يتعاطون مع هذه المفردات بشكل كبير، مع نشوء جيل من متعاطي الامور العشائرية، الذين لا يمتلكون إلا القليل من المعرفة الاخلاقية العشائرية الاصيلة، والذين يقلبون الحق إلى باطل والباطل إلى حق من أجل مبلغ من المال أو مصلحة أو قضية معينة.
وهذه الظاهرة بكل ما تحتوي من تفاصيل أخطر على المجتمع من أي وباء، لأنها تنخر بالمجتمع من الداخل، إنها تتسرب مع الهواء لتدخل رئات المجتمع المتعددة لتحيل أوكسجينها إلى ثاني أوكسيد الكاربون السام. نعم أن تسمم الأخلاق والعادات والتقاليد الجميلة والاصيلة بعادات هجينة وملوثة وضارة بالمجتمع، كفيل بنخر بنية المجتمع ومنظومته الاجتماعية، وافقاده التوازن في اي لحظة.
إن نخر المجتمع من خلال تمييل الحقوق وتزيفها كفيل بإنهاك المجتمع، كفيل باستلاب الحقوق، كفيل باستعمال القوة الغاشمة بأبسط المشكلات، كفيل بانهيار القيم بصورة كلية، إذا لم تجد من يقف بوجهها بالترهيب أو الترغيب.
مسؤولية من هذا "النخر" الذي يحدث في المجتمع؟ مسؤولية الحكومة، أم المجتمع، أم العشيرة، أم المواطن؟ أعتقد أنها مسؤولية مشتركة بين كل هذه الاطراف المتشكل منها المجتمع العراقي أو البغدادي أو في أي مدينة أخرى في حدود الوطن.
ربما لا يستشعر البعض هذا الخطر المتسرب الى المجتمع، لكن الباحث المتخصص يدرك ويستشعر هذا الخطر قبل استفحاله من خلال ادواته ورؤيته وملاحظته ومن الإشارات والدلالات التي يراها هنا أو هناك.
نحتاج لوقفة مهمة ومدروسة لعلاج هذه المشكلة أو قل المعضلة التي يصعب حلها، نحتاج تنبيه المجتمع، نحتاج التكلم مع المجتمع حول مخاطر هذه الانحرافات
الكبيرة.