الكتابة لن تكتمل!

ثقافة 2020/11/28
...

  حبيب السامر
 
تتنوع الكتابة في مجالات الحياة وفق معايير التأثر والتأثير، والإفادة من الهامشي، الجزئي، المفارقة اللحظية، كسر السائد بأنماط مختلفة بالتفاعل مع طبقات الكلمات وحركتها على سطح الورقة، تأويل الحالات وتشكلاتها، بما يجعل الحفر عميقا، وغائراً في مناطق صعبة وجافة..
 فيلسوف التفكيك دريدا يرى الكتابة (هي إبحار أول بلا عناية) منطلقاً من معنى المغامرة والكشف وإزاحة الزبد في مواجهة الموجات المتلاحقة، ومناطق أخرى بمحمولاتها المعرفية.
من هنا يخطط الأديب لإصدار مطبوعه الأول، بعد صبر ومراجعة وتعديلات تستمر لأيام وشهور، تجيء اللحظة المناسبة التي يرسو فيها كتابه على مطبعة ما، وحري بنا أن نضع السؤال المهم.. هل يعيش الأديب والكاتب بهجة اللذة في تلمس وقراءة مطبوعه الأول؟ ثم وهل هناك من الأدباء من تمنى لو حذف كتابه الأول بعد سنوات عدة؟
كم نحتاج الى إجابات هادئة كي نتبين الأمر من التساؤلين، على الرغم من أنه نتاج سنته وعوالمها ومرحلتها، وهذا ما يربطه بمنتجه هو العلاقة الوشيجة التي ينظر لها بمعيار إنساني، تضعه بالقرب من بيئته، تعبر عن انفعالاته، وتؤشر بالضوء العلاقة الوثيقة للتعامل مع مرجل اللغة لإنتاج مادة 
إبداعية، قد تكون مرحلة النضج تجعله يراجع نتاجه الذي مرت عليه سنوات، لا أكاد أجزم بالحالة التي أزعم بسماعها مرات عدة في توق بعض الأدباء فيما لو تخلى بعضهم عن مطبوعه، ربما لديهم بعض أسبابهم.
هنا من الضروري جداً أن نستلهمَ قول قيثارة داغستان رسول حمزاتوف (إن الكلمة أشبه بالجواد الهابط من أقاصي الجبال الوعرة، فإذا لم تنحدر من أعماق القلب قبل أن تصل إلى طرف اللسان تفقد كل معناها). لذلك علينا أن نفكر كثيرا ومليا قبل أن نقدِمَ على طباعة كتابنا الأول أو ما يلحقه من كتب أخرى بروية وهدوء والتركيز على نوعية المنجز قبل الكم،منطلقين من نماذج مبدعة يقف في مقدمتها الشاعر محمود البريكان الذي أثر العزلة وعدم نشر نتاجه على الرغم من مزاملته لرائد الحداثة بدر شاكر السياب، وأسماء مهمة في خارطة الشعر العراقي، هل كان البريكان عاجزاً عن النشر؟، وأعلم أن الكثير من الصحف والمجلات قد فتحت أبواب صفحاتها لنتاجه، ربما يكون المثل استثنائياً، لكن الواقع هكذا، والحقيقة مرّة،حاولنا أن ننظر الى الكم الهائل من المطبوعات في وقت قلّ القراء لها، لاسيما الكتب الجديدة التي تستعجل النشر لتترك رقما على رفوف مكتباتنا.. 
ندرك انه حقهم الطبيعي في مواكبة عجلة الإبداع والتطور والنمو الثقافي، لكن في هذا الحيز وددت أن أقول علينا بالتأني والروية قبل أن نقدم على طباعة كتاب قد يسيء الى كاتبه، ويتمنى بعد مرور السنوات لو أن بإمكانه التخلي عنه. 
فعلا.. الكتابة همّ صعب، يحتاج منا الإمعان والقراءة المستمرة والخوض في تضاعيف الكلمات بمحمولاتها المعرفية لتحفيز القارئ على كشف الجديد من المنتج في الساحة الثقافية ويحرك ذائقته باتجاه التعالق بين مفاهيمية الكلمات التي تنمو وتكبر وتتحرك في حيز الكتاب مثل كائن حي!