يستبشر الوسط الثقافي خيرا، بعد اعلان الشاعر الدكتور عارف الساعدي رئيس تحرير مجلة الأقلام الثقافية قرب صدور العدد الجديد، العدد المغاير والمختلف، الذي يسعى الساعدي من خلاله، إلى جعله نقطة بداية جديدة للأقلام، التي عانت في السنين الأخيرة من الاهمال والتراجع، والمبادرة الفريدة للأقلام المتمثلة بتوزيع العدد الأول مع العدد الأخير، هو دلالة واضحة على أن هيأة التحرير والمستشارين ورئيس التحرير وكل الجهات الساندة، تريد القول أن عهدا جديدا للأقلام بدأ، والالتفاتة الأخرى منها، هو استقدام أهم الأسماء الثقافية العراقية والعربية، ليكونوا ضمن هيأة المستشارين، أما هيأة التحرير، فضمت شاعرين شابين، هما علي محمود خضير ومهند الخيكاني، وهما اسمان، يقفان في طليعة الشعراء الذين برزوا في العقد الأخير.
إن صدور “ الأقلام” المجلة الأهم والأبرز في هذه الظروف، وبحلة جديدة، ورؤية مختلفة، تعيد طرح سؤال مهم، يتعلق بالمجلات الثقافية العراقية، ومدى إمكانية امتلاكها مشروعا ثقافيا. يعرف الجميع، أن تاريخ المجلات الثقافية العراقية، حافل بالمنجزات المهمة، فهي كانت تملك تقاليد ثقافية وأدبية، تسعى من خلالها إلى خلق بعد أدبي وثقافي، لنأخذ مثلا مجلة الطليعة الأدبية، التي تعنى بأدب الشباب، تلك المجلة المهمة، كانت تملك مشروعا ثقافيا كبيرا ومهما، استطاعت تلك المجلة من خلاله التأسيس لجيل شعري رصين، استطاع أغلب شعرائه الصمود بوجه الزمن، والبقاء حتى اليوم على قيد الزمن. فكانت تنشر لشعراء شباب، ثم تكلف نقّادا لقراءة ما نشر في الأعداد السابقة، وهكذا استطاعت خلق جيل شعري رسّخ وأصّل الشعر وأسهم في إرساء تقاليد شعرية مازالت إلى اليوم، ربما يكون مشروع مجلة الأقلام الحالي، هو الحفاظ على الرصانة الأدبية، ففي ظل الفوضى الثقافية ونقل الفضلات الشعرية إلى الموائد، بعد أن كانت في سلّة المهملات. ورغم الأزمة البنيوية التي تعيشها الثقافة العراقية، والتي أثرت بشكل كبير في المطبوع الثقافي ومنها المجلات، وتحول عدد من المجلات التي تصدر عن وزارة الثقافة إلى مجرد دوائر روتينية، لا علاقة لها بالإبداع، نجد هنالك جهات، تسعى لإصدار مجلات ذات طابع ثقافي، لكن غياب التخطيط الطويل لها، وعدم امتلاك آلية أو نظام لها، يضمن استمرارها وعدم توقفها عن الصدور، أسهم في ظهور تلك المجلات عددا قليلا من المرات، وبعدها اختفت. كما إن غياب المشروع الثقافي لها، أسهم إلى حد كبير في إنهاء وجودها مبكرا.
وجود الأقلام حاليا مهم ولابد منه، ذلك أن بقاء المطبوعات الحالية والقادمة وكثرة النشر المجاني والفوضوي وعدم التصدي لها نقديا، سوف يؤسس لثقافة بديلة، تزاحم الثقافة العراقية الأصيلة، وتنقلها إلى حيز النسيان. الأقلام، مشروع لكل المثقفين وللثقافة العراقية، فإنبات ثمرة وسط الأشواك والسعي للحفاظ عليها، ليس بالمسؤولية العادية، بل هي مهمة جسيمة وكبيرة، لابد من تضافر كل الجهود للحفاظ عليها. هي مكتسب من المكتسبات التي جنتها الثقافة العراقية. الأقلام، ربما آخر حصون الثقافة الرصينة التي ستثبت للتاريخ أن الطارئ والدخيل، لن يبقيا ولن يستمرا. هما مجرد نزوة أو موج سرعان ما ينحسران إلى غير رجعة.