ريسان الخزعلي
الشعوبيّة والشعبويّة، مفردتان تتشابهان في التشكيل الحروفي، إلّا أنهما تختلفان جذريّاً في المعنى والدلالة، وكثيراً ما ترد هاتان المفردتان في التداولات الشفاهية أو الخطابية عند بعض المتحدثين المبتدئين، سواء كان هذا البعض سياسيّاً أو يعمل في المدار السياسي ( الجديد )، كما أنهما ترِدان أحياناً في غير محليهما في الخطابات الكتابية التوثيقيّة، إما لخطأ طباعي أو سهو أو لضعف والتباس في تقدير المعنى والدلالة لحظة الكتابة.
الشعوبيّة، كمفهوم، تعني الانتقاص والتقليل من دور العرب في المسار التاريخي والحضاري، وتُفضّل عليهم ( غير العرب )، وتعود جذور نشأة الشعوبيّة إلى العصر الأموي أولاً، إلّا أنها أخذت البُعد المؤثر الأوسع في العصر العباسي.
أما الشعبويّة كمفهوم، فما هيَ إلّا خطاب سياسي قصدي يوجّه إلى طبقة من الشعب، وبالتحديد الطبقة الشعبيّة منه لاستمالتها تحت ذرائعية انتقاد نظام الحكم القائم والمسؤولين عنه، ويتعدى الأمر ذلك حتى يصل إلى انتقاد النخب المجتمعيّة نتيجة التعارض بين ثقافتين: ثقافة السياسي التي لا تقبل ثقافة النُخب ولا تقوى على فهمها وتحليلها، وثقافة النخب التي تُدرك وتعي ثقافة السياسي بكل أبعادها ومديات قصديّاتها في المنفعة الآنية.
إنبرى الكثير من المفكرين والمثقفين العرب وغيرهم في الرد على طروحات الشعوبيين بأدلّة ومقدمات فكرية توضّح دور العرب في الفكر والفلسفة والاقتصاد وعلم الاجتماع والفلك والهندسة والرياضيات والعمارة وجميع العلوم التطبيقيّة الأخرى، وقد كشفت تلك الردود عن جهل وتجاهل الشعوبيين، لما تعرض له العرب من غزوات وحروب واحتلالات واستعمار، مما أدّى إلى انشغالهم في المقاومة والتحرر، في الوقت الذي تمت فيه مصادرة كل معارفهم العلمية والأدبية وتعطيل دورهم في البناء والتقدّم المدني والحضاري، إضافة إلى طبيعة الحُكم والحكّام في البلدان العربية.
إنَّ الشعبوية، هي الأخرى، قد تمَّ كشف وفضح مراميها وغاياتها البراغماتيّة، سياسيّاً وثقافيّاً، ولم تعُد خافية ًعن مدركات الوعي النخبوي والوعي الشعبي العام . من هنا، ومن أجل ايجاد مناخ سياسي/ ثقافي / اجتماعي يتّصف بالصحو، عراقياًّ وعربيّاً، لابدَّ من ثقافة مجتمعية عالية تقف بالضد من كل ماهو شعوبي، واتخاذ الموقف الفكري/ التحليلي/ النقدي لكل ماهو شعبوي، لتجاوز هذا التراجع المُريب في حياتنا
العامة.