«الزوج المربوط».. المعتقد الشعبي وأهمية الروحاني

فلكلور 2020/12/02
...

 باسم عبد الحميد حمودي
نشر الأستاذ عبد الحميد العلوجي كتيباً بهذا العنوان عام 1964 تحت عنوان سلسلة أسماها (وثائق فولكلوريَّة) برقم (1) ووضع تحت تسمية البحث الرئيسة جملة تقول: (موقف العقيدة الشعبية من مأساة العريس المخذول في ليلة الدخلة) وقام الشيخ جلال الحنفي بكتابة مقدمة ثرية لهذه التجربة الفولكلورية الميدانية.
من جهتي فقد قمت بكتابة موضوعٍ مطولٍ عن (الرجل المربوط) نشرته في العدد الخاص بالطب الشعبي الذي أصدرته مجلة (التراث الشعبي) وكان العدد الفصلي الرابع في خريف 1988, تحدثت فيه عن جهد العلوجي في هذا الشأن وعن الدراسات السابقة في هذا الموضوع.
قلت في جهد العلوجي: عقد السموأل بن يحيى بن عباس الحاسب المتوفى سنة 576 هـ في كتابه (نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب) الفصل الثامن من الكتاب في معالجة الرجل المربوط كان عنوانه (في مداواة المربوط), وكتاب السموأل مخطوط ذكره الدكتور صلاح الدين المنجد (1) وعرف به وبفصوله الأخرى, فمن هو الرجل أو الزوج المربوط؟ وما علاجات الطب الشعبي له؟
يقول أبو يحي زكريا بن محمد بن محمود القزويني (ت 682هـ) في كتابه (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) عن الضب (ص479):
(وإذا جاعت تتعرض للنسيم وتعيش به ويكون ذلك غذاءها, فقالوا): (إذا خرج ضب من بين رجلي الإنسان لا يقدرعلى مباشرة النساء وقيل ينتفخ ذلك الإنسان).
ويعلق الباحث عزيز علي العزي على هذا القول كاشفاً حقيقته الأسطوريَّة (2):
(أما قول القزويني إنَّ الضب إذا خرج من بين رجلي الإنسان فإنَّه لا يقدر على مباشرة النساء فأسطورة لعل تعليلها: أنَّ من خرج من بين رجليه وهو قاعد قد يصاب بفزع وجفول مما فاجأه على غير توقع فيحتبس، ويصاب بعجزٍ جنسي لفترة قد تقصر أو تطول فلا يقدرعلى مباشرة النساء).
 
علاج الزوج المربوط
إنَّ قبيلة التعايشة السودانيَّة (وغيرها من القبائل) تستخدم الطب الشعبي لمعالجة مرضاها وطبيبها الشعبي يرى في الزوج المربوط حالة نفسيَّة يعالجها برقية فقد ورد في كتاب (التراث الشعبي لقبيلة التعايشة) فصلٌ في الطب الشعبي للقبيلة فيه عنوانٌ فرعيٌّ عن (علاج المربوط عن النساء) جاء فيه:
(المربوط تعني أنَّ الرجل أصبح عاجزاً عن العمل الجنسي بسبب عمل عمله خصم له، كمن كان منافساً له في زواج المرأة أو غيرها).
ويعلق الأستاذ فرح عيسى محمد على هذا القول بقوله: (هذا العلاج مجرب في ما يزعمه الراوي) وقد اختار الباحث عبارة (يزعم) بأنَّ هذه الرقيَّة تعتمد على التطبيب الخرافي. وينشر العلوجي في كتابه عدة رقى منسوبة لأئمة وأولياء منها ما يشبه هذه الرقية السودانية ويمهد لها بالقول: (4) 
(ولا يزال أحد المرتزقة بقراءة القرآن الكريم في مقبرة الشيخ معروف الكرخي ببغداد يعالج المربوط بتوصيات منسوبة الى الشيخ أحمد المغربي وهي كتابة وفق مثلث في كاغد أحمر وتعليقه على الفخذ الأيمن بعد أنْ يغتسلَ المربوطُ بماء)
ثم يعلق في هامش في ذات الصفحة فيقول: (وطلبت من هذا المقرئ أنْ يرسم لي بالقلم صورة هذا الوفق المثلث ولكنه أبى فمنحته بعض الدراهم لقاء تزويدي بذلك).
إنَّ الشيخ جلال الحنفي يعلل سبب (الربط) تعليلاً علمياً منطقياً غير خاضعٍ لمنطق الخرافة فيصور في مقدمته للكتاب تلك الضجة التي يقوم بها أقرباء العريسين ليلة البناء في الشوارع وفي بيت العريس فيصور مبيت الناس بالبيت وصيحاتهم وطرقهم الأبواب (مستعجلين النتائج) وصراخهم بأصواتٍ مضطربة تتضمن الحث والتشجيع في أمر يحسبونه من المعارك التاريخيَّة الفاصلة, وبما خاشنوا العريس في مناداتهم إياه من وراء الجدار, ما يسبب إرباكه وإرباك زوجته وهما يحاصران بضجة لا مثيل لها، فتخمد الجذوة عنده، ويعلق الشيخ الحنفي على ذلك بقوله: (ليس في ذلك من عجب في سنة العلم ولكن ذلك لا بُدَّ أنْ يكون أمراً عجباً في الشرعة الشعبيَّة)، مشيراً بعد ذلك الى علاجات المتطببين الشعبيين لهذه (العلة) بأنواع من العلاجات (التي لا تخرج في الواقع عن الإيحاءات النفسية الساذجة وقد يكون مضافاً إليها أحيانا شييء من المواد العقاقيريَّة المهيجة والمنشطة).
والشيخ هنا يضع يده على علة التطبيب الشعبي لهذا المرض بشكلها النفسي والعقاقيري.
وإذ أحيل القارئ الكريم الى رأي العلوجي حول قوة الكلمة وقدرتها على تعطيل الإخصاب أذكره بما يقوله مشعوذو الطرق والكشافون في العراق والمغرب وسوريا ومصر حيث يطلبون ممن جاءهم لمعالجة أو قضاء حاجة له إعطاءهم اسمه واسم أمه وقطعة من ملابسه لعمل الرقية, أما إذا كان المطلوب منهم عمل رقية لآخر بواسطة من زارهم طلبوا منه اسم ذلك الشخص واسم أمه وقطعة من ملابسه, وإذا طلب أحدهم من الكشاف رقية تسيئ لأحد أو تربطه أوتؤذيه بشكل من الأشكال, فقد يرفض بعض الكشافين ذلك لأنه محرم, وقد يفعل آخرون ذلك.
 
 
قوة الاسم
ويبدو أنَّ للاسم قوته الخاصة بتعاويذ من هذا النوع، إذ يذكر كراب (ص290) أنَّ الأغنية القصصية الشعبية الدنماركية (أيرل براند) يظل البطل فيها قوياً لا يُغلب الى أنْ تناديه حبيبته باسمه لكي ينقذ أصغر أخواتها فيسقط البطل ميتاً. ويورد كراب (ص310 - 312) نماذج من أشعار السحر, فإذا أريد إخراج شوكة من جسم إنسان ألقيت الرقية التالية: 
سعيد هو المسيح الذي ولد
وقد كلل بالشوك
وخرم جلده
لكي يتعمق السم
وكن جراحه الخمسة في ما قالوا
التأمت قبل أنْ يموت
فليتعمق الشفاء ويخرج الشوك
وإذا أريد لشوكة ألا تحدث ورماً ألقيت تعويذة أخرى, وإذا أرادت فتاة أنْ ترى زوجها المقبل ليلة القديس لوقا قرأت رقيَّة أخرى.
وإذ تكون أشعار السحر هذه عامة لا تتعلق إلا بالسبب أو بالمناسبة المأمولة أو لغرض الشفاء فإنَّها لا تتضمن اسماً معيناً بل تتضمن كلمات عن حالة مطلوبة أو درءاً لأذى, وقد اتخذ العقل الشعبي في العراق ذات الإجراء بالنسبة لموضوعنا فاستعان بالحرز لمنع الأذى.
يفرق العلوجي بين نوعين من الربط, فالمربوط برقية ساحر هو المسحور ويسمى ايضا (مكضوب)، أما (المجبوس) فهو العريس المربوط ولكنه غير مسحور بل نتيجة حدث ما فاذا ما واجه موكب الزفة صدفة تشييع جنازة فهذا يعني أنَّ العريس سيصاب بالجبسة ويخيب في أداء مهمته في الليلة الأولى مع عروسه.
 
الطب الحديث
وإذا تركنا مسألة الطيرة والفأل مؤقتاً وعدنا الى موضوع الربط والزوج المربوط ووقفنا عند رأي الطب الحديث في المعتقدات الشعبيَّة المعتمدة على الخيال والمعتقد الترهي وجدنا الدكتور يوسف القاضي يقول: "من الناس من يعتقد بالربط الجنسي أو ما يصيب الشخص من جراء أعمال سحريَّة توجه من الغير ضدهُ فتعطل قواه الجنسية, ومثل هذهِ المعتقدات لما تزل موجودة في بعض الأوساط البدائيَّة من مجتمعنا إلا أنَّ مفعولها في الحبِ والكرهِ والحسد يفعل فعلهُ، إذ كلها ذات مفعول حسب عقائد السذج من الناس".
 
طرق الربط
إن قيام المشعوذ بالربط نوعٌ من السحر الأسود الذي يؤذي الزوج, وقد امتنع كثيرون من كتبة التعاويذ عن القيام به، لكنه - على أية حال- عمل يقوم به الساحر الشعبي مقابل المال الذي يدفع له من قبل المستفيدة أو المستفيد لغرض إشباع لذة الانتقام من حبيب خان الوصال واعتزم الزواج من أخرى أو إشباعاً لرغبة أسرة ضد أخرى أو رجل ضد آخر أو امرأة ضد أخرى لقاء أجور محسوبة تتزايد بتزايد مكانة العريس موضع الربط والعروسة موضع الجبس.
 
طرق الربط والجبس
1 - أنْ تقوم امرأة نفساء بزيارة العروس على حين غرة. 
2 - أنْ تعقد عروس في ذات الشارع لعروس مجاورة عقداً في منديل.
3 - أنْ تعقد غترة (حطة) العريس عند الزفة أو ثوب العروس.
4 - أنْ تعمل الساحرة عقداً وتنفخ فيه (العلوجي ص20).
5 - إلباس العروس سروالاً عقدت عليه بعض النسوة (العلوجي ص21 نقلاً عن الشيخ علوان المتصوف الحموي ت 936 هـ).
6 - استخدام الطلاسم من الورق أو القماش أو الخشب أو الأحجار الكريمة, ويحوي الطلسم كلمات ورسوماً ونقوشاً مكتوبة, ويقول العلوجي (ص22): "في الطلسم رموزٌ غريبة ذات أصل قبالي (والقبالة هو علم التصوف عند اليهود) وهي عبارة عن تعديل بسيط استهدف الشكل العام المعروف للحروف العربية, وكان السحر على هذا الصعيد إما أنْ يكتب كتابة على الرقاع أو ينفث نفثاً على الأشياء والأحياء باللغة الفارسيَّة أو المجوسيَّة أو العبريَّة أو القبطيَّة أو العربيَّة أو التركيَّة).
7 - ذر الكحل في الماء في المنطقة الوسطى من العراق أثناء عقد قران العروسين.
8- (يوصي يهود بغداد الساعين وراء الربط بتمازج الكحل ومخ الحمار فوق نار هادئة مع قراءة إحدى العزائم الخاصة وتغليف المزيج بعد ذلك بقطعة قماش تعلق في ثياب العريس) العلوجي ص25.
9 - رمي الكحل في النهر بعد قراءة آية (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً) أربعاً وثمانين مرة أو غلق القفل بعد تعليقه في إحدى حلقات شبابيك الأضرحة المقدسة (العلوجي ص25-26).
10 - غلق قفل خلال عقد القران ورميه في النهر أو دفنه في مقبرة (العلوجي ص27 عن السيد خان الموسوي وعن علي بن نصر في كتابه جوامع اللذة).
11 - تلويث ملابس العريس أو العروس بدهن الخنزير, وهي عقيدة سائدة بين فلاحي منطقة الدورة (بغداد) على ما يذكر العلوجي في ص27. والراجح أنَّ هذه العقيدة كانت سائدة لكراهية المسلم لهذا الحيوان الذي كان موجوداً بكثرة في جزيرة أم الخنازير في الدورة (جزيرة الأعراس حالياً).
12 - تعليق عظم الهدهد في ملابس العريس, ويشرح العلوجي كيفية اختيار العظم السحري لهذا الطائر نقلاً عن ليدي دراور التي تقول: "يؤخذ الهدهد والبدر في تمامه الى المقبرة, وعلى الساحر أنْ يختار قبراً ويشعل النار فوقه ثم يضع آنية مليئة بالماء على النار, ويجعل القبر - دوماً – خلف ظهره, ثم يقتل الهدهد خلف ظهره أيضاً, ويضعه في الماء المغلي حتى يصبح كل ما فيه سائلاً ما خلا العظام.. وهذه تلقى في الماء الجاري فالعظم الذي يطوف مصعداً في النهر وبعكس مجراه هو العظم السحري المطلوب. 
13- الكتابة بالزعفران: في بعض قرى سامراء 84 مرة آية (ويسألونك عن الجبال...) و12 مرة آية (ونزعنا ما في صدورهم من غل..) على ورقة يرمونها أما في حب الماء الذي يشرب منه العريس أو في القدح الذي يتناول فيه الشاي, وقد يقرؤون تلك الآيتين بعدد المرات على مخيط وخلال القراءة يدخلون رأس المخيط في ثقبه بعد ليه ثم يطرحونه في موضع عميق من النهر-نقله العلوجي- ص28 عن الشيخ يونس الشيخ إبراهيم السامرائي.
14 - تقوم إحدى النساء - لدى فلاحي جنوب العراق- بعقد عقدة في خيط من الحرير، ثم تعلقه في رجل عصفور تمنحه حرية الطيران – نقله العلوجي ص28 عن الشاعر عبد المحسن المفوعر السوداني.
15 - عقد خيوط الحرير على الفضة والذهب أو الحبال أو اليشماغ أو في خيط يسل من ملابس العريس ويدفن بعد عقده, أو في خيط حريري يقاس طوله بطول العريس ويدفن في مقابر اليهود بعد قراءة (قل هو الله أحد) سبع مرات على سبع عقد (حسب قول الملا محمد صالح العبيدي) أو في خيط أثناء قراءة أحد الأدعية الخاصة بالربط كما قال شاكر صابر الضابط للعلوجي, أو في تكة سروال العريس خلال ترتيل إحدى العزائم باللغة العبريَّة (كما قال السيد طه الكواز الذي أخبر العلوجي أنها طريقة استخدمها يهود العراق وكان من الواقفين عليها) أو في وتر خلال قراءة (يس والقرآن الحكيم) سبع مرات على سبع عقد (على قول الشيخ عباس مراد) أو عقد إحدى عشرة عقدة في وتر ودسه في بئر على طريقة يهود المدينة أيام
 الرسول (ص).
ويقول العلوجي إنه استطاع أنْ ينتزع مثاوي الحروف والعقد المربوطة من النصوص الوقائيَّة الموضوعة لحل المربوط، وأنْ هذه المثاوي والأماكن ترددها كتب مثل الرحمة في الطب والحكمة للشيخ جلال الدين السيوطي، ومجربات الديربي.
ويرى الباحث أنَّ هذه النصوص التي تحاول فك الربط تعوذ بالقوى الخفية من شره (فهي تلتمس إبطال أية عقدة في كتاب أو حديد أو رصاص أو نحاس أو لسان أو شعر أو بيضة (وأحيانا بيضة الخميس) أو طين أو سمكة أو فضة أو سكين أو ذهب أو وسادة مما عملته الأيدي, وما مشت به الأرجل وما تكلمت به الألسن وما اجتمع عليه الأحباب والأعداء وأية عقدة في بول أو غائط أو قرطاس, وكل عقدة تحت الأرض أو بين السماء والأرض أو في نشرة أو قدم أو شعر خنزير... الخ من ص 30 من الطبعة الاولى)
والملاحظ من هذه القائمة الطويلة من أماكن وضع الحروز المعدة للربط أنها تتضمن صورة شاملة وغريبة لأماكن وجود الحروز السوداء المعدة للإيذاء السحري على وفق المعتقد الشعبي.
 
طرق الوقاية
تعدُّ طرق الوقاية من الربط أفضل السبل للاحتياط من شروره وقد أعدت هذه الفقرة استناداً للبحوث التي سبق نشرها في الكتاب الأول الذي أصدرته مجلة التراث الشعبي عام 1986 وقمت بتحريره وإعداده تحت عنوان (في تقاليد الحياة الشعبية العراقية) واخترت منه عدداً من البحوث الخاصة بدورة الحياة، ومن هذه الطرق:
1 -  عمل أدعية أو حروز احترازية للرجل أو المرأة
2 -  رش النساء التمر على رأس العروس عند دخولها بيت العريس.
3 -  رفس الزوجة لقدر ماء أو جرة عند دخولها الدار
4 -  تخصيب الزوجة يد الزوج بالحناء ليلة الحنة
5 - عدم إطفاء شمعة العرس حتى الصباح.
وهناك العديد من الطرق للوقاية من الربط لا يتسع المجال لذكرها جميعا.
إننا نعد كتاب الأستاذ العلوجي وثيقة فولكلوريَّة مهمة في تبيان دور المعتقد الشعبي في إعطاء الروحاني أهمية كبرى داخل المجتمع لحل مشكلات لا يستطيع الإنسان الاعتيادي حسمها لإيمان المجتمع المديني والريفي قديماً بعلوية الأداء الطبي الشعبي وقدرته على شفاء الأمراض المستعصية والتي منها مشكلة الرجل المربوط والمرأة المكبوسة.
فضلاً عن ذلك فإننا نجد في المقدمة التي كتبها الشيخ الحنفي موقفاً عصرياً شاجباً لخزعبلات الوصفات السحرية وإيماناً بقدرة الطب الحديث على شفاء الرجل والمرأة اللذين عانيا من (الربط) ومن (الجبسة) بوصفه الحل العلمي الذي يحل هذه القضية التي لا تساعد التعازيم والأسحار على شفاء من عانى من أمراضٍ كهذه.