قراءات

ثقافة 2020/12/05
...

حميد المختار
 
ما إن انتهيت من قراءة الجزء الأول من رواية (مقتل الكومنداتور) للروائي الياباني «هاروكي موراكامي» حتى عدت أدراجي إلى قراءة روايات مؤجلة وصولاً إلى رواية الكاتب المصري «أحمد مراد»، (لوكاندة بير الوطاويط)، ذلك الكاتب الذي أتحفنا برواية (الفيل الأزرق) التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر وكانت تستحق الفوز بجدارة، بعد ذلك تابعت هذا الكاتب وقرأت معظم رواياته، وكانت ممتعة حقاً ومعظمها تحوَّل إلى أفلام سينمائية نالت عدة جوائز. 
المهم في الأمر أنني بعد انتهائي من قراءة (بير الوطاويط) سمعت أن الجزء الثاني من رواية (مقتل الكومنداتور) 
قد وصلت، فأسرعت إلى شرائها والمباشرة بقراءتها بعد الانتهاء، فوراً من رواية «أحمد مراد»، العجيب في الأمر أن هذه الرواية بقيت في ذهني على 
خلاف رواياته السابقة، فهي تتحدث عن يوميات مدفونة وراء حائط الغرفة رقم 7 في الطابق الثالث من مبنى لوكاندة الوطاويط. 
تعود هذه المذكرات إلى مصوِّر الموتى «سليمان أفندي السيوفي» الذي أرَّخ فيها هذا المصوِّر حوادث غريبة عاشها من وجهة نظره متابعاً قاتلاً متسلسلاً محترفاً يقتل الباشاوات في عقر دارهم وهو يؤرِّخ الحالة قبل إنشاء جهاز البوليس المنظم في مصر، ويتم تكليفه بتقصّي الحقائق حول مصرع الضحايا بطريقة شنيعة، وبخبرته الموروثة في تحليل مسرح الجريمة يكتشف أن الوفاة وراءها قتل عمد والقاتل يترك مع ضحاياه المشوهين تذكاراً هو قطعة نقدية إما في الفم أو في اليد أو في مسرح الجريمة.. رواية فنتازية غريبة تقتحم فترة المَلكِيَّة في مصر وحياة الباشاوات الغامضة، فضلاً عن حياة البطل ويومياته الأكثر غرابة منه، لاسيَّما وهو يعاني من مشكلات نفسية وتاريخ أسري مرتبك. ثمة مشاهد بشعة في حالات القتل والتمثيل في الجثث والأجواء الغريبة، التي يعيشها البطل الذي يقتل أمه ويضعها في الجدار ثم يُلحِق عشيقته بها بعد أن يشك في وفائها وخيانتها له، كل هذه الأحداث صحبتني وأنا أدخل في الأجواء الهادئة والرومانسية لرواية (مقتل الكومانداتور)، التي تحكي قصة رسَّام محترف يدخل في أعماق وأسرار الشخصيات التي يرسمها «البورتريه»، يعيش هذا الفنان وحيداً ومنعزلاً في بيت بعيد على قمة جبل كالقلعة، يعثر أثناء سكنه هناك على لوحة مخبَّأة في سقيفة الفنان صاحب هذا البيت وهو فنان كبير يحمل الكثير من الأسرار في حياته الماضية، ثم يعيش البطل حلماً فنتازياً، حين يرى شخصية «الكومنداتور» تخرج إليه وتحدِّثه من حفرة قرب الغابة المظلمة، وثمَّة جرس يرن وسط ظلام يوقظ كل كائنات الغابة الموحشة، لقد تصادم العالمان في وعي القارئ عندي حين رأيت كيف يصطدم بطل (لوكاندة الوطاويط) مع بطل رواية (الكومانداتور) مما ترك لديَّ توتراً في وعي القراءة ذاته، لم أتخلص منه إلا وأنا في منتصف العوالم الساحرة لـ «هوراكي» الذي أنقذني من تلك الوطاويط ووضعني وسط غابته الغامضة بحثاً عن حلول ونهايات لحالات أبطال روايته الممتعة هذه.