مكتبة طراد الكبيسي

ثقافة 2020/12/06
...

علي وجيه 
 
تموتُ مكتبة الأديب بعد وفاته بالغالب، على يد ورثةٍ لا علاقة لهم بالمشغل الذي عصر أبوهم سنواته جميعها فيه، قاصاً أو شاعراً أو ناقداً، رفوفٌ تمتدُّ من مراهقة هذا الأديب، حتى تكونَ المكتبة في ما بعد، كهفه ومستقرّه، إرشيفه، جسده الفتيّ بعد أن خذله جسده الفعليّ، وغالباً ما يضعُ الأديبُ هذا سريراً ذا شخص واحد فيها، فتكونُ معادلاً موضوعياً لزوجته، وبالغالب تكون متوفاة، فتكون الحياة كلّها بين الرفوف.
تموتُ مكتبته بعد وفاته بالغالب، إلاّ مكتبة طرّاد الكبيسي، الناقد الذي يشكّل علامة فارقة في النقد العربي عموماً والعراقيّ خصوصاً، فصاحبُ «المنزلات» الذي أنتجَ كتابُهُ نقّاداً آنذاك، وصاحبُ «شجر الغابة الحجري»، الذي صدر بالتزامن مع متون أخرى، صنعت ملامح الشعر العراقي الحديث في 
فترة ما بعد جيل التأسيس «الرصافي، الزهاوي، الشبيبي..»، أقول: صاحبُ هذه المتون وغيرها، ماتت مكتبتُهُ في حياته، وتناثرت على أرصفة 
المتنبي.
في ظهيرةٍ شتائية، قبل عامين أو ثلاثة، استرعت انتباهي مجموعة كبيرة من مجلة «شعر» اللبنانيّة، بإصدارها الأول ثم المُستأنَف، نحو 20 عدداً، ورغم أهمية مجلة شعر بحد ذاتها، ووجود هذه الأعداد بوصفها لُقيةً واحدة، لكن كلمة «من مكتبة طراد فواز»، كانت تمنح المجلة أهمية كبرى.
عرفتُ أن هذه هوامش الأستاذ، بقلم الرصاص، تحت هذه المجموعة كانت الطبعة الأولى من «أباريق مهشمة» للبياتي، بإهدائه «الأخ طراد فواز.. مع المودة»، ثم كتاب هيدغر «في الفلسفة والشعر»، ومجموعة أخرى، كانت كلها من مكتبة طراد.
المكتبة التي تناثرت في المتنبي في تلك الظهيرة، كان قبلها بسنوات قد تناثر اسم طراد نفسه، نبحث عنه، نحن الشعراء الشباب، فلا نجده، ولا ننجح بوسيلة للوصول إليه، فطراد صاحب المقدمة المطولة لأعمال سعدي يوسف، وصاحب «في الشعرية العربية»، و»ارتحالات الشعر في الزمان والمكان»، لكنه انطفأ، واختفت المتون، واختفت المكتبة، ولا نعرف إن كان بها مخطوطات أو مقالات لتُجمع، ثم انطفأ أخيراً الوجود الجسدي بشكل كامل، لناقدٍ كانت القوّة تنبعُ حتى من اسمه «طرّاد»، رحل عنا غريباً، من دون أن يحظى الشعراء الشباب بقراءته لهم!