فلك طرّك

ثقافة 2020/12/06
...

د. حسين القاصد 
 
 إن استعمال اللهجة العامية بين المولد وبين الطارئ (الأجنبي) وبين ما له أصل عربي، لكنه اندثر وغاب في دهاليز المعاجم، إن هذا الاستعمال لم يغب عن ذهن الشاعر العراقي الفصيح، لكن هل كل ما يقال إنه من اللهجة العامية هو عاميّ حقاً؛ فما زال في الدعاء الغاضب لدى الأمهات الجنوبيات ما يشي بالعاميّة لكنه يملك جذورا في الموروث العربي الفصيح سواء كان أصيلا أو من اللغة المولدة؛ ولنقف عند الشاعر سراج محمد، ففي قصيدته (مالم يقله عبد الأمير جرص)، يقول في أحد أبياتها:  
أنا الجنوبي من قد (طرّه فلكٌ).. و(فرّه الدهر) مذ أم مع الغسقِ
والشاعر وضع (طرّه فلك) بين قوسين لأنها صارت من اللهجة العامية بعد شيوعها بجنوب العراق دون غيره؛ لكن لها أصل في الموروث الفصيح؛ فمن معاني (طرّ): (طَرَّهُ بِالسَّيْفِ: قَطَعَهُ)؛ أما المفلوك، فيقول العلامة د. محمد حسين الأعرجي: (للمفلوك أصل في اللغة المولدة فالمفلوك: هو الذي ضربه الفلك فافتقر كما قالوا في الذي ضربه الفالج: مفلوج. 
ومن عقائد العامة أن الأفلاك تقدر الأرزاق ... ثم لما صار المفلوك عندهم الفقير اشتقوا منه فعلا لمن افتقر فقالوا: فُلِكَ أي: ضربه الفلك)؛ لذا فإن المعنى مستقيم، لدينا، لغةً ولهجةً، فصيحاً وعامياً، لكنه اندثر عند بعض المدن واغلب البلدان العربية، ذلك لأن الأدب العباسي أدب عراقي محض لا يكاد يفهمه بدقة الا العراقي – كما يرى العلامة الأعرجي- لذلك يحتفظ العراقيون بأغلب ما قيل من مولد وأصيل في العصر العباسي، وظل أغلبه يجري على ألسنتهم، حتى اندثر عند الآخرين وظنوه عاميّا. 
 أما (فرّهُ الدهر) فإن (فرّه) عامية عراقية لا أصل لها في اللغة ولا في المولد، وهي عند العراقيين تعني (دار به) أما الدهر فهو كما قال ‏ابن سيده: وجمعُ الدَّهْرِ أَدْهُرٌ ودُهُورٌ، وكذلك جمع الدَّهَرِ لأَننا لم نسمع أَدْهاراً ولا سمعنا فيه جمعاً إِلاَّ ما قدّمنا من جمع دَهْرٍ؛ قال الأَزهري: قال أَبو عبيد قوله فإِن الله هو الدهر مما لا ينبغي لأَحد من أَهل الإِسلام أَن يجهل وجهه.
  ولقد صب الشاعر كل معاناته من خلال التناص مع الشائع دعاءَ غاضباَ، مستثمرا دلالته ومعاناة الجنوبيين، فالاتكاء القضوي هو الفقر والعذابات، أما النسق الثقافي المضمر فهو باختصار شديد: إن “ المفلوك» «المدهور” سراج محمد (شروگي) وهي تسمية تطلق على الجنوبيين نسبة الى سكنهم جنوب شرق العراق وفي مثلث الهور تحديداً.