ابتهال بليبل
في عالمٍ متحركٍ، قلق،ٍ ثقافته الفوقيَّة الظاهرة مهووسة بالبلاستيك (لننتبه أنّها مادة ليّنة تتغير بالتشكيل والضغط) ومثله الأشهر أيقونته دمية (باربي).. مادة سهلة الانقياد والتغيير ومن ثمّ كل ما ينتج منها وعنها ويرتبط بها من اقتصاديات الأنوثة وعلاقتها (أو هكذا يفترض) مع خطابات التغيير الإيجابي خاضع لهذه المعادلة: التشكيل والضغط والمطاوعة.. لذا تبدو محاولات رصد وتتبع ظواهر إشهارية صاخبة مثل الجراحة التجميليَّة والترميميَّة والقتل الرحيم مجدية لفهم تمظهرات هذا العالم وحدوده وماهيته.
اخترتُ أنْ نبدأ معاً في استدعاء ثنائيَّة (القدرة - العجز) التي أجدها تتصل بهوس هذه الثقافة. ثنائيَّة يمكن أنْ أرجعها الآن وبعد كثيرٍ من المشاهدات والتجارب والتأملات إلى مسبّباتها كالأمراض والحوادث والوراثة والشيخوخة والأطراف الصناعيَّة الداعمة وتعويض الأجزاء المعطوبة، لأجساد سأخمّن أنها كانت أنثويَّة تميل إلى شعورٍ راسخٍ بتكاملها وتفوقها وجمالها.
للإعاقة الجسديَّة حدث كارثي في حياة أية امرأة مهما كان نوعها ومقدارها لأنها ستحرمها من سلطة كبيرة، أكاد أجزم أنها أهم سلطات المرأة وهي الشعور بالكمال، الذي لا يفقدها الإحساس العميق بهوية الأنثى. وعلى الرغم من أنَّ هوية (الأنوثة المتكاملة) تُمنحُ من خلال العلاقات الاجتماعية، لكنْ، ستظل محكومة هنا بسلطة بصريّة (عيون الآخرين) لكل ما يدلّ على الإعاقة.
هذه الثنائيَّة يمكن رصدها والولوج إلى تجلياتها الدقيقة عبر تحليل نتاج نساء كنّ في لحظة ما ضمن أهم محركات الخطاب الأنثوي في العالم، ومنهن فريدا كاهلو الرسامة المكسيكيَّة التي تقول في مذكراتها عبارة قصيرة وحاسمة:
«أنا لم أرسم أحلامي البتّة. فقط كنت أرسم حياتي».
عبارة شغلتي كثيراً. كونها تختصر حياة امرأة بنظرة تعمل على زيادة المسافة بين المجتمع والفكر من ناحية وإسقاط الإعاقة على الجسد من ناحية أخرى.
تبدو بسيطة وسهلة ولكنها خطيرة واعتراف كبير من رسامة ذكرت أنَّ هناك مسافة فاصلة بين المجتمع الذي كان المفترض به أنْ يساعدها على رسم أحلامها، ولكنه قادها لترسم حياتها. مجتمع يرى الإعاقة في الجسد فقط. ويخاف من الأحلام.
ينطوي كل تصور ينطلق من شكل وعمل الجسد الحي عندما نكون أمام تشوهات خلقيَّة، أطرافه مبتورة، وغير ذلك على نقص أو فشل أو على أقل رغبة تصويره بأنه غير طبيعي من الناحية الطبية. إنه يزاوج بين الفكر أو الذات والجسد، ويفرض معايير لا تخلق تمايزاً بالقدرات فحسب بل يخلق تطابقاً تاماً مع النمطيَّة القمعيَّة. لكن، من المؤكد أنَّ ربط الأنثى بالإعاقة يبدو أكثر فداحة.
ولعل هذا ما يُمكننا من فهم لجوء كاهلو التي دائماً ما يكون الجسد الممتلئ بالدبابيس والمشدات الفولاذية من موضوعات لوحاتها لحيلٍ مختلفة حتى تنجو من السلطة البصريَّة، لقد أرادت بالطبع ألاّ يكون جسدها مهزوزاً وهشاً، وأنْ يكون الجمال أو الكمال هو الأساس. من أجل ذلك، بالغت في
ارتداء القلائد والخواتم وقمصان الورود والتنانير الملونة الطويلة.
ربّما، أنا معاقة في مجتمع يربط بين المرأة والعجز. وأشعر بعجزي هذا كنتاج أيديولوجي يسبق ذاتي في فهم ما يمكن أن يراه شوبنهاور، على سبيل المثال، «ذات عقل أكثر ضعفاً وأقل قدرة على فهم المبادئ»، أنا بالنسبة لأرسطو ونيتشه وروسّو وغيره أفتقد الذكاء أو القدرة الجسديَّة التي تسمي نفسها الآن الجسد الخاضع، ولكن لمعرفة الإعاقة أو الجسد الميكانيكي الخاضع ألاّ يفرض علينا أنْ نفهم ما يعنيه أنْ تكون إنساناً بالكامل؟