أرون روبرستون
ترجمة: جمال جمعة
في 18 مايو 1897، قبل يوم واحد من إنهاء أوسكار وايلد عقوبة السجن لمدة عامين بتهمة “الفحش الفادح”، استقل الكاتب عربة أجرة مع اثنين من الحراس في سجن “ريدنغ” لانتظار القطار المتجه إلى لندن.
لو كان الأمر متروكًا لحراس السجن، لكانوا قد نقلوا وايلد إلى سجن “بينتونفيل” دون أي نوع من الجلبة. كان من المقرر أن تكون محطته الأخيرة قبل الحرية. لكن شجرة القوطيسوس كانت تتفتح، ووايلد، الذي استذكر روعة العالم الخارجي، هتف من الفرح. أسكته الحراس. فإذا استمر في هذا الأمر، سيدرك الناس من يكون.
كما يلاحظ توماس رايت، مؤلف كتاب “شُيِّدت من الكتب: كيف حددت القراءة حياة أوسكار وايلد”، فقد وصف وايلد في رسالة من السجن لصديقه اللورد ألفريد دوغلاس الخوف من “الخروج إلى العالم دون كتاب واحد”. كان هناك الكثير من الأسباب التي تجعل منبوذاً اجتماعيًا عانى من الندوب العاطفية يتألم على امتداد الحياة المقبلة، ولكن على رأس قائمة اهتمامات وايلد كانت الكتب التي سعى للحصول عليها من أجل المواساة.
قبل فترة وجيزة من إطلاق سراحه، كان وايلد قد سأل مجموعة مقربة من الأصدقاء شراء مجلدات له، من ضمنهم وصيّه الأدبي روبي روس. كانت من بين طلباته أعمال غوستاف فلوبير، تشارلز بودلير، جون كيتس، ألكسندر دوماس، ودانتي، الكاتب الذي لا يمكنه العيش بدونه.
سار وايلد عبر بوابات “بنتونفيل” في وقت مبكر من يوم 19 مايو إلى طريق كاليدونيان، حيث كان صديقاه مور أدي، الناقد الفني، وستيوارت هيدلام، القس السابق الذي تحول إلى كاتب اشتراكي، في انتظاره. في مركبة أجرة متجهة إلى محطة”كينغز كروس”، لم يضع وايلد وقتًا للحديث عن الكتب، وقبل كل شيء عن دانتي.
عندما وصل الثلاثي إلى منزل هيدلام في “بلومزبري”، استُقبل وايلد بالترحاب من قبل بعض أولئك الذين اهتموا به كثيرًا. تناول فنجانًا من القهوة لأول مرة منذ عامين، استحمّ، غيّر ملابسه، وأمضى الوقت بالضحك حتى الصباح. بالنسبة لرجل خرج توّاً من السجن، فقد كان مرِحاً بشكل جذاب. سجلت أدا ليفرسون، الروائية وصديقة وايلد، لاحقًا أنه دخل “بهيبة ملك عائد من المنفى”.
المفارقة، بالطبع، هي أن وايلد كان يستعد للذهاب إلى منفى حزين وحشيّ يقضي فيه سنواته الأخيرة خارج وطنه. كتب وايلد بمعية أصدقائه رسالة متلهفة إلى بعثة يسوعية مجاورة يطلب منهم المشاركة في مأوى لمدة ستة أشهر. كتب كاتب السيرة الذاتية ريتشارد إلمان أنه بينما كان وايلد ينتظر عودة الساعي، واصل الحديث مع أقرانه عن سجن ريدنغ “كما لو أنه كان منتجعَاً”.
رُفض طلب وايلد على الفور. وفيما هو محبط حديثاً، ولم يبق له سوى القليل من الأشياء لفعلها، فقد أجرى المهمات الأخيرة. كان وايلد قد فاتته السفينة البخارية المبكرة المتجهة إلى مدينة “دييب”، على الساحل الشمالي لفرنسا، فقرر التوقف عند “هاتشاردس”، أقدم مكتبة في لندن والمفضلة لدى وايلد. كما يلاحظ رايت، فإن وايلد “أراد إنجاز بعض عمليات الشراء السريعة، وآخرها على التراب الإنجليزي”، لكنه هرب حالما تعرف عليه أحد الزبائن في المتجر، جاذباً انتباه الزبائن الآخرين.
عبر وايلد القنال الإنجليزي على متن الباخرة أثناء الليل ونزل في “دييب” قبيل الفجر. روس وصديق آخر، ريجنالد تورنر، التقيا بصديقهما المسكين هناك. أخذاه لتسجيل الدخول في فندق تحت اسم مستعار “سيباستيان ميلموث”، وهو اسم يشير إلى أن وايلد كان شهيدًا متجوّلاً.
عندما فتح باب غرفته، بكى أوسكار وايلد. ليس بسبب محنته، لكن على ما رآه أمامه. كان صديقاه قد أعدّا له معرضاً للزهور وكدساً أنيقاً من الكتب.