ماذا يحدث في حوريَّات الجبل؟

ثقافة 2020/12/07
...

يوسف عبود جويعد
 
قد تكون تداعيات وأضرار مرحلة ما بعد الغزو لا تقل أهمية في خطورتها وتأثيرها من احتلاله الغزو أو الحرب، فلا يمكن لحرب أن تنتهي إلا وبقيت آثارها وتداعياتها الى أمد بعيد، لأن الانكسارات الكبيرة التي خلفتها معارك”الدواعش” على مساحات منالبلاد، وبث الأفكار المتطرفة، وتسخير الرجال لطاعتهم، وسبي النساء واغتصابهن بحجة “جهاد النكاح”، ونخص بالذكر ما حدث في مدينة سنجار من مجزرة كبيرة راحت ضحيتها الطائفة الأيزيدية، حيث هُدمت البيوت وسُبيت النساء، وقُتل الرجال.
في رواية (حوريات الجبل) لوارد بدر السالم، نكون مع أخطر ما خلفته هذه الهجمة البربرية من تداعيات وآثار مدمرة، وانكسارات نفسية كبيرة، ستبقى آثارها على مر السنين، إذ يقدم لنا الروائي حكاية تسع نساء أطلق سراحهن من أسر الدواعش كونهن في الاشهر الأخيرة من حملهن، وهذا الأمر يضع المتلقي أمام تساؤلات كثيرة ومؤلمة، عن مستقبل الأجنة التي ستضعها بطون الامهات الحوامل في مواجهة الحياة، وهو من أم واحدة وآباء كثيرين، بسبب تعرض تلك النسوة لأكثر من عملية اغتصاب من قبل “الدواعش”. هذا جعل أمر الاب وجوداً مستحيلاً، فضلا عنرفضهاته النسوة هذا المولود الهجين، والذي يذكرهن بأقسى وأصعب حياة مرت بها تلك النسوة في أجواء قاسية ومرعبة تصل حد الكابوس المرعب، والأمر الاصعب، أن الطائفة الأيزيدية لا تقبل بين أبنائها الغرباء والذين لا ينتمون لدينهم، وهكذا نجد أن الروائي سوف يمر بأكثر حالة تحتاج أن تدخل ضمن المبنى السردي لمناقشتها وطرحها أمام المتلقي الذي سوف يجد نفسه مقحماً وسط حكايات تلك النسوة المؤلمة.
عمد الروائي وفي مستهل هذا النص السردي، والعتبة التي تأذن لنا بدخول الاحداث، في وضع جدول لأسماء تلك النسوة واعمارهن وتشخيص الحمل وجنس الجنين والملاحظات، لسبع نساء فقط، بينما أن من فك أسرهن تسع نساء، وسنعرف لاحقاً وبعد متابعتنا للأحداث حكاية اثنين من الفتيات اللاتي لم يدخلن ضمن الجدول، وقد قسم الرواية الى فصول معنونة تنتمي في موضوعها الى الفصل ذاته، ومن الطبيعي ومن أجل احتواء مشكلة كبيرة كهذه أن ينقلن تلك الاسيرات الى المشفى للوقوف على حالتهن الصحية وانتظارهن داخل المشفى، حتى يلدن ليرين بعدها كيف ستؤول الامور، ومن خلال الممرضة باران التي أوكلت لها مهمة سرد الاحداث داخل المشفى سنتعرف على الكثير من تفاصيل مسار السرد ونسج الاحداث، وتقربنا لحياة تلك النسوة:
(تمعّنت باران بنتائج تصوير السونار ورموزه الدالّة على مواعيد الولادات المتقاربة وأجناس الأجنة المتوقعة، شاعرة بأن مثل هذه الوقائع الشاذة لا تربك عملها حسب، بقدر ما تربك وجودها الانساني، وهي تعيش عن قرب تلك الوحشية البشرية التي وصلت الى حدودها القصوى متجسدة في بطون الفتيات)ص9.
وتدور الاحداث داخل هذه المبنى، بين رفض الأسيرات للجنين الذي في أحشائهن، وخوفهن من سخط الاهل والقبيلة والدين والشرائع، وبين كارهات له كونه يعكس نقطة سوداء مؤلمة في حياتهن، وكذلك نتابع تفاصيل وفاة احدى الاسيرات قبل الولادة بلحظات بسبب سوء حالتها الصحية وتردي حالتها النفسية، وكذلك سنكتشف أن في أحشاء احدى الاسيرات جنين أسود، الامر الذي لم يحدث لبنات سنجار وهو مشكلة كبيرة، ثم الانتقالة الكبيرة، حيث الراعي (رافيار) الذي سبق التعرف عليه برواية (بنات لالش)والذي كان له دور معروف في احداث تلك الروايتين،أما في هذا الجزء وهو الثالث والمتمم لأحداث سنجار، سنتابع تفاصيل مختلفة، كونه اختير من قبل الأمير ليقود الاسيرات وتكون مهمته مع تسعة من جنود الخلافة بإيصال الاسيرات لمناطق سكناهم بعد أن صدر فرمان من الخليفة بذلك كونهن حوامل، وسنتابع مع رافيار رحلة شاقة وقاسية استغرقت زهاء تسعة أيام بين الوديان وقمم الجبال والمغارات ووسط الحيوانات المفترسة والليل البهيم، والبرد، والمطر: (تعرفتُ في الخيمة على البنات التسع بشكل مباشر وسهل. كن متراصفات وحائرات وخائفات. تغطيهن الجلابيب السود. ووجوههن محشورة في خرق سود لا تخرج منها إلا العيون المفزوعة المتخاطفة من وراء القماش الأسود) ص 178.
وهكذا نتابع الرحلة التي من خلالها سوف نتعرف على حكاية الاسيرتين اللتين ماتتا في الطريق (بروين وروجين) فإحداهن تُركت في المغارة المظلمة وهي بين الذئاب والضباع المتوحشة المفترسة كونها في حالة طلق وقاربت ولادتها ولا أحد يعرف من سيقوم بتوليدها وانها ستشغلهم عن مهمتهم، لذلك تركوها وهي تئن وتصرخ خائفة من الحيوانات المفترسة وخائفة ايضاً من وجع الولادة وخائفة من الموت، بينما الأخرى انتحرت بسبب أن قائد المجموعة القريشي أعجب بها وأراد مضاجعتها بالرغم من حملها، فبصقت في وجهه فرفسها وألقت بنفسها في بحيرة الدموع:(تركت يارا مع الوحش يأكل بطنها/ ومضيتُ دامع العينين/ وفي قلبي حزن العالم).. وبهذا يحقق الروائي وارد بدر السالم ثلاثيته الملحمية السردية لواقعة سنجار وبنات سنجار ورجالها في (عذراء سنجار) و(بنات لالش) وأخيراً (حوريات الجبل) الصادرة عن دار حكاية للنشر والتوزيع- الكويت.