سياسي على الرصيف

آراء 2020/12/07
...

 محمد شريف أبو ميسم

ترجلت من الحافلة الصغيرة، وكأنني خرجت للتو من ورشة نقاشية انتهت الى خلاصة مفادها "ان السياسة الأميركية ثابتة ولا يغير مساراتها الرئيس الجديد"، وفي العمل دار حديث مشابه بين بعض الزملاء وخلص الى اللازمة نفسها التي كانت وما زالت على ألسنة الناس منذ سبعينيات القرن الماضي، كلما حل موسم الانتخابات الأميركية. والمضحك في هذه التوافقات الظرفية خلال ساعات النهار أن تختم ليلا باطلالة أحدهم من خلال التلفاز ليحسم جدلا بينه وبين ضيف آخر ويعيد انتاج  الخلاصة ذاتها.     
الجميع هنا يعيد انتاج هذه اللازمة التي تصف الرئيس الأميركي بالموظف الذي يقوم بتنفيذ سياسة ثابتة، وبعضهم قد يتكلم بموضوعية فيترك مساحة للرئيس لاتخاذ القرارات وتغيير التكتيكات، دون أن يعطينا فكرة عن دلالات وجود هذه اللازمة، وما يبرر صيرورتها وثباتها، وبعد بضعة أيام انعطفت باتجاه بائع السجائر بعد خروجي من مقر عملي، فوجدته منهمكا بالحديث في الموضوع  نفسه مع رجل يتبنى الخلاصة ذاتها التي انتهت اليها ورشة الحافلة، انخرطت بدافع الفضول للبحث عن رؤية الناس بشأن الجهة التي تصنع هذه السياسة، ففاجأني بائع السكائر "انها الشركات التي تحكم العالم" قلت: هل قرأت "عندما تحكم الشركات العالم" لـستيفن سي كورتن قال: لا ولكني قرأت "الاغتيال الاقتصادي للأمم" تأليف جون بركنز، و"صراع الحضارات" لـصاموئيل هنتنغتن وأجزاء من كتاب "عقيدة الصدمة صعود رأسمالية الكوارث" للكاتبة الكندية نعومي كلاين.
دهشت لما يقوله هذا الرجل الخمسيني الذي يفترش الرصيف، وبقيت مصغيا، وهو يستعرض دور شركات العولمة في رسم السياسة الأميركية، وصناعة الحكومات في الدول التابعة لها بعد أن تعرّضها لصدمة التحول بهدف قبول العقل الجمعي بالحلول الجاهزة فيما بعد، والوقوع في فخ المديونية والامتثال لشروطها، وعن من يملك هذه الشركات، ومن يحرك المنظمات الدولية خدمة لمصالحها، مستشهدا بدور اسرة "روتشيلد" اليهودية المتطرفة التي تملك نصف ثروة كوكب الأرض، التي ما زالت تتبنى حلم تحقيق الوعد التوراتي باقامة دولة اسرائيل الكبرى على أرض الميعاد الممتدة من النيل الى الفرات عبر اسلوب الاحتواء الاقتصادي، وكيف كان دور هذه الاسرة في تنصيب الرؤساء الأميركان وتحديد مسارات عملهم، وتأسيس لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية المسماة "أيباك" وتحديد مساراتها وأهدافها المعلنة التي تنصب على استهداف الدول والمجموعات المعادية لإسرائيل، فقلت بعد أن أخبرني انه خريج كلية الزراعة، وما الذي انتهى بك على الرصيف؟ فقال: انها السياسة الأميركية الثابتة.