تقاليد سياسيَّة غائبة

آراء 2020/12/08
...

  د. صادق كاظم 

منذ اكثر من  17 عاما والتجربة السياسية الحديثة في العراق لم تصل  بعد الى مرحلة النضوج والاستقرار، فلا احزاب معارضة او كتل برلمانية مؤثرة تراقب عمل الحكومة وانجازاتها، تستدعي المقصرين والفاسدين من المسؤولين للخضوع الى الاستجواب، تحت قبة البرلمان بشفافية ونزاهة تغيب عنها أعمال الثأر والابتزاز، الأحزاب والكتل الكبيرة، التي تتسيد مساحة العمل السياسي تمارس ازدواجية غريبة، فهي تحكم وتعارض في الوقت نفسه تشارك في الحكومة وتنتقد اعمالها، تخطئ من خلال ممثليها في السلطة، لكنها لا تجرؤ على اقالتهم ومحاسبتهم، تتهم الحكومة بالتقصير وهي جزء كبير من هذا التقصير، تدعو لمحاربة الفساد والى ضرب الفاسدين ومعاقبتهم، لكن صوتها يعلو،حين تقترب اجهزة النزاهة من احد المحسوبين عليها رغم توافر الادلة التي تدينه، حيث انها تعد ذلك الامر مسيسا ومقصودا ضدها، هذه الاحزاب تضع قدما في السلطة وقدما في المعارضة، لا تريد ان تخسر جمهورها، الذي تعده بالخدمات والوظائف لكنها ايضا ترغب في تذوق شهد السلطة ونعيمها، وصف الدكتور الراحل علي الوردي المجتمع العراقي  ذات مرة بانه مجتمع يملك ثقافة مزدوجة تجمع بين البداوة والحضارة التي تسير بشكل متناقض داخل وعي الفرد العراقي وسلوكه، نتيجة لصراع محتدم لم تتمكن الحضارة والمدنية رغم ضخامتها وعمقها من هزيمة البداوة الطارئة وازاحتها من داخل وعي وسلوك الفرد العراقي، ويبدو ان الكتل كالافراد تعيش في صراعات وتناقضات بين واقع ترغب في استثماره لصالحها، وبين عالم مثالي  تطرحه في ادبياتها، لكنها لا تقترب منه وتريد منه ان  يبقى حلما في اذهان المريدين والاتباع.
مقاعد المعارضة في البرلمان كما هو  في الدول العريقة ديمقراطيا، تصنع سياسيين كبارا ومؤثرين ومجموعات ضغط تقدم القرارات وتناقشها بدقة، قبل ان يتم اقرارها،تضيف حراكا ونشاطا وتختبر من  خلالها مصداقية الحكومة والبرلمان ومن هذه المعارضة يظهر قادة البلدان وزعماء الحكومات المخلصين، اضافة الى أنها تنعش العمل السياسي وتقويه.
طريق الشراكة وتشكيل الائتلافات الواسعة يغلقان نوافذ التجدد ويصيب شرايين العمل السياسي بالانسداد، فهو يجذب الجميع نحو مواقع الحكومة ويشغلهم بها، بينما تبقى مقاعد المعارضة شاغرة وعملية التشاور على الطريقة السويسرية، ما زال الوصول اليها بعيدا، اكثر من 17 عاما كانت اكثر من  كافية لتصحيح الاخطاء ومراجعتها، رغم الملاحظات والانتقادات والاخطاء، الا ان الاوضاع لم تتغير وبقيت على حالها، حيث الشراكات والمحاصصات مع حرب خجولة على الفساد هي المهيمنة على عملية سياسية، ما زالت تنتظر التجدد والتغيير والى ثقافة جديدة تقوم على ثنائية الحكومة – المعارضة وليس على مفاهيم يوما مع الحكومة ويوما عليها.