شمخي جبر
يعد الفساد جريمة أخلاقية واقتصادية وسياسية واجتماعية، تصيب مرافق الدولة فتشل مفاصلها وتعطل التنمية فيها وتؤثر في الحياة السياسية،بل قد ترافقها انهيارات في البنية السياسية للدولة وتهز مكانتها وسمعتها في المجتمع الدولي.
نتيجة لما تشكله ظاهرة الفساد من تبديد للثروات في اية دولة يصيبها هذا المرض الفتاك، فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 31 تشرين الاول 2003، واعتمدت الجمعية أيضا القرار 4/58، باعتبار يوم 9 كانون الأول يوما دوليا لمكافحة الفساد، لزيادة الوعي بالفساد ودور الاتفاقية في مكافحته ومنعه، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في كانون
الاول 2005.
وفي دراسة عن موضوع الفساد، اشارت الى ان قيمة الرشى تصل إلى تريليون دولار، بينما تصل قيمة المبالغ المسروقة بطريق الفساد إلى ما يزيد على تريليونين ونصف الترليون دولار، وهذا مبلغ يساوي 5 % من الناتج المحلي العالمي، وفي البلدان النامية بحسب ما يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقدر قيمة الفاقد بسبب الفساد بعشرة أضعاف إجمالي مبالغ المساعدة الإنمائية
المقدمة.
وقد يصبح الفساد الاداري المالي فسادا سياسيا حين يتم التخادم بين الفاسدين والسياسيين، او حين تجري عمليات الفساد في ظل آلية لتقاسم الثروات بين الحاكمين وفق آليات التحاصص، فيتم التغاضي والسكوت عن الفاسدين، او كما يقول الباحث (نادر فرجاني) يؤدي إلى قيام تزاوج خبيث بين السلطة السياسية والثروة، بحيث تصبح غاية نسق الحكم ضمان مصالح القلة المهيمنة على مقاليد السلطة السياسية والثروة وليس الصالح العام، الأمر الذي ينعكس في تهميش الغالبية أو إقصائها.
وقد اشارت الى هذا الامر (ديليا فيريرا روبيو ) رئيسة منظمة الشفافية الدولية التي قالت"تشير أبحاثنا إلى وجود علاقة واضحة ما بين وجود ديمقراطية سليمة والنجاح في مكافحة الفساد في القطاع العام"، وأضافت أنه يمكن للفساد أن يستشري بشكل واسع، حين تستند الديمقراطيات إلى أسس هشة، وحين يستغل ذلك السياسيون الشعبويون والمناهضون للديمقراطية لمصلحتهم، وهو ما رأيناه في عدة بلدان.
وربما ينطبق بعض ما قلناه على الواقع السياسي في العراق، رغم وجود مؤسسات متخصصة لمحاربة الفساد وملاحقة مرتكبي هذه الجريمة.
لكن تراكم قضايا الفساد وضعف المنظومة القانونية والتشريعية يوفران للفسادين فرصة للإفلات من العقاب.
وهنا يبرز دور الجهات الرقابية كمجلس النواب وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة في مكافحة الفساد، وتقديم الفاسدين للقضاء واسترداد الاموال، التي سرقوها وهذا يستدعي قوتها واستقلاليتها عن المؤثرات والضغوط السياسية واستنادها الى منظومة قانونية وتشريعية حازمة غير متهاونة، مع الفاسدين وحماتهم وداعميهم وشركائهم، ولايمكن ان يتم هذا من دون توفر مبدأين مهمين هما المساءلة والشفافية .
كما ان للاعلام ومنظمات المجتمع المدني دورا كبيرا في تعزيز دور مؤسسات الدولة المعنية واسنادها وممارسة دور توعوي تثقيفي لمواجهة هذا الوباء الفتاك.