جيليان بروكيل: عن صحيفة "واشنطن بوست"
ترجمة : أنيس الصفار
أعلنت جماعتان من المؤرخين، الأولى متخصصة بالأرشفة المستقلة والثانية منظمة رقابية، أنهما تقدمتا في هذا الاسبوع بدعوى قضائية ضد الرئيس ترامب ومسؤولين آخرين في إدارته لضمان تقيدهم بقوانين حفظ السجلات، ذلك ان ترامب معرض لاحتمال المطالبة بالكشف عن سجلاته القانونية والمالية، بمجرد تركه المنصب وهذا يرفع احتمالات اقدامه على اتلاف سجلات فترة رئاسته قبل رحيله، على حد تعبير الجماعتين.
اشتركت في اقامة الدعوى الموحدة امام محكمة مقاطعة كولومبيا الجهات التالية: "اتحاد المؤرخين الأميركيين" و"جمعية مؤرخي العلاقات الخارجية الأميركية" و"أرشيف الأمن القومي" و"مواطنون مناصرون للمسؤولية والالتزام".
يقول "توم بلانتون" مدير مؤسسة أرشيف الأمن القومي: "السجلات الرئاسية مهددة دائماً لأن القانون الذي يفترض به حمايتها ضعيف جداً وما تحاول الجهات، التي اقامت الدعوى الوصول اليه هو دعم القانون لمنع احراق السجلات." ولم يصدر من البيت الأبيض تعليق على هذا الكلام.
يملي قانون السجلات الرئاسية على الرئيس والملاكات العاملة معه في البيت الابيض الاحتفاظ بجميع السجلات الحاوية لنشاطاتهم ومداولاتهم وقراراتهم وسياساتهم، والتي تعكس صورة اداء الرئيس من الناحيتين الدستورية والقانونية وغير ذلك من الواجبات الرسمية او التشريفية. تبقى "ادارة الارشيف الوطني والسجلات" متحفظة على هذه السجلات وتحجبها عن الرأي العام لمدة خمس سنوات على الأقل بعد انقضاء عهد الإدارة، ومنها ما يحجب لفترات أطول بكثير.
يقول "جيمس غروسمان" مدير جمعية التاريخ الأميركية: "تزودنا الابحاث التي تستمد مادتها من هذه السجلات بنظرة لا يعادلها شيء تنفذ الى بواطن نشاطات الادارة، نظرة قد يبقى العالم في حالة غيابها معتمداً كلياً على ذكريات من نتحرى حقيقة عطائهم ونقيمها بأسلوب مهني، او على ما يصدرون من كتب يومياتهم".
كانت السجلات الرئاسية، وحفظ تلك السجلات، مصدراً للتوتر منذ أمد طويل، كما كانت مصدراً للكشف عن البواطن والخبايا، والتغييرات التي أدخلت على طريقة التصرف بها كانت تضع المؤرخين في الحسبان. ففي الماضي كان المعتاد ان تعد أوراق أي رئيس ملكية خاصة به، سواء انتهى ذلك الى خير أم سوء، وفي بعض الاحيان كان الأمر ينتهي حقاً الى سوء، كما يوضح لنا البروفسور "بول ماسغريف" الاستاذ في جامعة ماساشوستس. فكثير من أوراق "جورج واشنطن" بقيت في حوزة ورثته، الى أن نالها الاهمال او اتلفتها الجرذان، بعد ذلك جاء الرئيس "ريتشارد نكسون، الذي تضمنت سجلاته بين ما تضمنت ذلك الشريط الذي وصف بالدليل الدامغ، أو "المسدس الذي يتصاعد منه الدخان"، الذي صودر منه بأمر قضائي. بعد ذلك مرر الكونغرس قانون السجلات الرئاسية، الذي ينص بصراحة ووضوح على ان السجلات الرئاسية تعود ملكيتها لجماهير المواطنين.
الصراع بين ترامب وقوانين السجلات كان مستمراً طيلة فترة ولايته تقريباً، لأن ترامب كان من عادته أن يمزق اية ورقة ينتهي منها ويلقيها في سلة المهملات او على الأرض، وفقاً لمقالة نشرتها مجلة "بولتيكو" في 2018. معنى هذا ان ثمة فريق كامل من المختصين بالسجلات كانت مهمتهم إعادة لصق تلك القصاصات الممزقة لأجل حفظها.
سلطت الدعوى القضائية تركيزها ايضاً على المسؤولين، ومنهم "جاريد كوشنر" صهر ترامب ومستشاره الذي يستخدم لقطات الشاشة "سكرين شوت" لحفظ اتصالاته على حسابات مراسلاته غير الرسمية مثل "واتسآب" او البريد الالكتروني الخاص. بيد أن لقطات الشاشة تعد مخالفة لقانون السجلات الرئاسية، وفقاً لما جاء في الدعوى، لأنها لا تتضمن البيانات الوصفية "ميتاداتا" وسواها من المرفقات التي يمكن ان تكون لها قيمة تاريخية.
في العام 2014 خضع القانون لتعديل جعله يتضمن توجيهات محددة بشأن السجلات الالكترونية. بذا صار القانون يحظر جميع الاتصالات الرسمية عبر منصات التراسل غير الرسمية ما لم تحفظ نسخة للحساب الرسمي على المرسل الاصلي، او ان يعاد توجيه الرسالة الى حساب رسمي في ظرف 20 يوماً.
يقول المؤرخون ان مستشار البيت الابيض قد وجه العاملين هناك توجيهاً خاطئاً بمذكرة مؤرخة في شباط 2017 فحواها أن يحفظوا أمثال تلك السجلات "بواسطة لقطات الشاشة او الوسائل الأخرى". طرح مستشار البيت الأبيض تلك المذكرة من خلال إيجاز لمجلس الشيوخ في شهر تشرين الأول 2017.
في شهادته بتاريخ كانون الأول 2018 أخبر محامي كوشنر الشخصي "أبي لاويل" لجنة الاشراف والاصلاح في مجلس النواب أن كوشنر استخدم، ولا يزال يستخدم، تطبيق "واتسآب" للاتصال بالقادة الأجانب، وأنه استخدم لقطات الشاشة لحفظ سجلات تلك الاتصالات. كذلك استخدم كوشنر وزوجته "إيفانكا ترامب"، ابنة الرئيس وكبيرة مستشاريه، حسابات البريد الالكتروني الشخصي لقضاء شؤون تتعلق بالبيت الأبيض، وفعلت نائبة مستشار الأمن القومي "كي تي مكفارلاند" ورئيس ستراتيجيي البيت الأبيض "ستيفن بانون" مثل ذلك ايضاً.
تسعى الدعوى القضائية الى وقف عملية التخلص المحتملة لأية سجلات ما لم تتبع في ذلك البروتوكولات الاصولية، والغاء سياسة "لقطات الشاشة".
هذه ليست المرة الأولى التي يقاضي بها المؤرخون الإدارة الأميركية بسبب انتهاكاتها لقانون السجلات. ثلاث من تلك الجماعات المذكورة سبق ان رفعت دعوى للاعتراض على استخدام مسؤولي البيت الأبيض التطبيقات المشفرة مثل "سيغنال" والادعاء بأن الرئيس ترامب قد انتهك قانون السجلات من خلال تخليه عن نهج الاحتفاظ بسجل المكالمات الهاتفية والالتقاء بالقادة الأجانب.