البصرة: صفاء ذياب
اختتم في مدينة البصرة مشغل القصة القصيرة في دورته الأولى، الذي تبناه منتدى أديبات البصرة في اتحاد الأدباء والكتاب بالبصرة، وضم محاضرات عن التقانات القصصية، وشهادات ومراجع، شارك فيها عدد من النقاد والأكاديميين، فضلا عن شهادات لكتاب قصة قصيرة لهم تجربتهم الخاصة.
المشغل الذي شاركت فيه وأدارته الشاعرة منتهى عمران والشاعرة أسماء الرومي، استمر لثلاثة أيام، وقسّم إلى تعريفات بالمشاركات وقراءات من نماذجهن القصصية، إضافة إلى محاضرات في تقنيات القصة والتجارب العالمية، شارك فيها القاص محمد خضير، والدكتور عقيل عبد الحسين والدكتور عادل عبد الجبار والدكتور علاء العبادي والناقد جميل الشبيبي، حاولا من خلال أوراقهم النقدية أن يطرحوا أهم التجارب القصصية النسوية، ومراحل تشكّلها، والأساليب التي تم الاشتغال من خلالها على مفهوم النسوية وآليات بناء السرد النسوي، لماذ لهذا السرد من خصوصية في الثقافة العراقية.
تحدثت عمران عن فكرتها وكيفية تنفيذها في ظروف خاصة، لاسيّما أننا ما زلنا نعاني من جائحة كورونا، ومخاوف الأدباء من المشاركة في أيّة فعالية ثقافية، مبينة أنها طرحت هذه الفكرة على منتدى أديبات البصرة بعد توقّفه عن نشاطاته بسبب جائحة كورونا.
عمران تؤّكد أن السنوات السابقة كانت مخاضاً لظهور كاتبات في البصرة، لاسيّما بعد أن شكّل اتحاد الأدباء منتدى أديبات البصرة، وتخصيص كيان خاص للكاتبات، قائلة إنه لا يخفى علينا ما برز بالمدة الأخيرة من ظهور كاتبات لا يعرفن شيئاً عن تقنيات الكتابة ولا يعلمن ما الأساليب التي عليهن اتباعها، حتى وإن توفّرت لديهنَّ الموهبة، لكن درايتهن بالقصة أو الرواية كانت فتية أو ضعيفة، وهو ما أشار له الدكتور عقيل عبد الحسين، الذي تحدّث عن ضعف أساليب الكتابة لدى أغلب النساء المشاركات، فحاولت أن يكون هذا المشغل خاصاً بالنساء لأنّه ربَّما يشكّل فرصة لا تتاح دائماً، بسبب طبيعة مجتمعنا وعدم قدرة النساء على الحضور الدائم للفعاليات الثقافية، لكن حينما تكون هناك ورشة متخصصة ومكثّفة سيكون هذا تشجيعاً لهن على الحضور، وبالفعل كان الحضور النسوي ممتازاً، ومن ثم فقد برزت لدينا قاصات جديدات لم نحن نعرفهن بعضهن، ولم نقرأ لأخريات قصصاً قصيرة من قبل.وفي معرض جواب عمران عن تساؤلنا بالكيفية التي شارك فيها كاتبات في مشغل للقصة القصيرة، كن بالأصل شاعرات، مثلها هي، وابتهال المسعودي، أسماء الرومي، وغيرهن الكثير، بيّنت أنّه على الرغم من "أني معروفة كشاعرة وأصدرت مجموعتين شعريتين، لكنني بدأت بكتابة القصة القصيرة قبل الشعر، وما شجّعني على الشعر، هو إنني كنت أتلمّس الهاجس الشعري في قصصي، لهذا نصحني الأصدقاء بالشعر أولاً، كما إن المشغل لا يتطلّب أن أكون كاتبة قصة، بل أن أكون على دراية بماهية القصة القصيرة، والأجواء السردية ".القاص محمد خضير، قدّم خلال السنوات الماضية أكثر من مشغل سردي في مدينة البصرة، وقد كانت لتلك المشاغل نتائج ملموسة، أنتجت كتباً وتجارب جديدة، كان آخرها في العام 2009، وهو ما أنتج كتابه (السرد والكتاب)، الذي تحدث فيه عن آليات السرد وتقنياته، لكنه بمشاركته في هذا المشغل يرى أن له خصوصية مختلفة تكمن في تحديد النوع السردي وعلاقته بالتجربة النسوية، "لكني مع هذا لا أعتقد أنّه سيتمخض عن نتائج جيدة، إلا أنّه عتبة أو باب يمكن أن يدخله الكاتب إلى آفاق كثيرة".
ويضيف خضير: ربَّما كانت الورش السابقة من دون ثيمة للعمل، بل كان همها الحديث عن تجارب وتقنيات، غير أنَّ هذه الورشة لها ثيمة رئيسة، وهي موضوعة النسوية والكتابة عنها، ومن ثمَّ فإنَّها فرصة لمن يتكلّم فيه، حينها سيراجع بعض الكتابات النسوية العالمية، و"في كلمتي تطرّقت إلى ما يسمى بكتابات المجتمع الإثني أو القومي، لاسيّما في المجتمع الأميركي الذي يضم هويات خليطة، مثل الأميركيات من أصول هندية، والأميركيات من أصول آسيوية أو أفريقية والمكسيكية، وحتى العربية. وهذا ما يميز المجتمع الأميركي بالعموم، ومن ثم صراع بين الجذور والحياة الجديدة، التي تميزت بالتنوع الإثني والهوياتي ومشكلات السياسة وحركات النسوية، فبالتأكيد حينها ستستفيد من هذا التنوع".
من جهة أخرى لاحظ خضير في أدبنا العراقي أن الرجال هم الذين يأخذون زمام الكتابة النسوية، ما عدا بعض الروائيات مثل بتول الخضيري وعالية ممدوح، لكننا نجد أن سركون بولص كتب قصصاً عن الغجر، ووارد بدر السالم كتب عن الإيزيديات، ونجم والي كتب عن اليهوديات في العمارة. غير أنَّ هذه الكتابات غير مصنفة في النقد العراقي، وما زالت تعد كتابات روائية فقط، في حين يعوزنا هذا التصنيف الموجود في
العالم.
ويقترح خضير أن تجمع نصوص المشاركات في أنطولوجيا خاصة وإن كانت على علاّتها من أجل الإشارة إلى أنه يمكن للمشاغل والورش أن تسهم كسياقات تاريخية في الأدب العراقي.
وقدّم الدكتور عقيل عبد الحسين دراسة بعنوان "الهيمنة في قصص المرأة العراقية" خلال المشغل، ناقش فيها تعامل القصة القصيرة التي تكتبها المرأة العراقية بعد 2003 مع ظاهرة الهيمنة السياسية والاجتماعية والدينية، عبر عدد من المجموعات القصصية. وانقسم التعامل مع الهيمنة في القصص إلى استعراض ونقد ومقاومة، وجاء الاستعراض على صعيد الموضوعات، وقد تنوّعت بين الحرب والحرب الطائفية وأحداث الخطف والقتل والتعذيب السياسي والهجرة والمهجر. وتمثّل الموضوعات الهيمنة سياسية أو الاجتماعية أو الدينية. وجاء النقد على صعيد الصوغ الفني. واعتمد أساليب، منها المفارقة، والسخرية اللفظية، والمعنوية، والكولاج، والأليغوريا، والميتا قص، والخيال العلمي، وكلها كانت تعمد إلى اللغة، وإلى النظام الاجتماعي الذكوري، وتسخر منه ومن أشكال الهيمنة المترتبة عليه، وكانت المقاومة في الجانب الثقافي، وحددتُه في الآخر، والنسوية، والهوية. ويظهر في قصص المرأة رفض للنظرة الدونية إلى الآخر أيا كان الآخر. وتشديد، في النسوية، على حقها في الحرية. وعلى الاختلاف والخصوصية، في الهوية، في مقاومة صريحة منها للهيمنة. وإذا استثنينا بساطة قسم من نماذج قصص المرأة، فإنها، عموما، تسهم في الدفاع عن المرأة، وعن المهيمَن عليهم في المجتمع، وفي بث الوعي بظلم النظام الاجتماعي.