إرادة الانتصار وصناعة السلام

آراء 2020/12/09
...

  شمخي جبر
لم تكن عصابات داعش الإرهابية جزءاً من الفكر الإسلامي السمح، بل كانت فهماً منحرفاً للدين استهدفت المسلمين بطوائفهم كافة قبل أنْ تستهدف أبناء الديانات الأخرى من مسيحيين وايزيديين وغيرهم، وإنْ كانت تضحيات من غير المسلمين أشد وطأة على الروح العراقيَّة.
الانتصار على "داعش" تعبيرٌ عن لحظة للوحدة والتحدي للزمن الذي سعت الصفحة الإرهابيَّة للتأسيس له على أرض العراق، وشكلت تحدياً خطيراً لروح المواطنة في الضمير والثقافة العراقيين.
لم تكن تلك الفقاعة (داعش) إلا استغلالاً لعدم الاستقرار الذي عاشته المناطق التي ظهر وانتعش الفكر الإرهابي التكفيري فيها.  كانت لتسلل "داعش" ظروف استغلتها هذه العصابات الإرهابيَّة، ربما تتحمل بعضها أطرافٌ سياسيَّة معروفة عزفت على أوتار الفرقة والتشرذم، ساعية الى تخريب النسيج الوطني وإحداث خلل واضح في وحدته وتماسكه.
لكنَّ الروح الوطنيَّة قابلت هذا التحدي مستجيبة له بتحدٍ بطولي، فضلاً عن الفتوى التي أصدرتها المرجعيَّة (فتوى الجهاد الكفائي) التي قابلتها جموع العراقيين بالتلبية دفاعاً عن الأرض والعرض، فكانت تلك الفتوى وقوداً لإشعال الهمم وإحياء الضمائر الوطنيَّة.
فكانت حشود المتطوعين المتسلحين بالوطنية والعقيدة الدينية الصافية في مواجهة التكفير والإرهاب، فانتصرت إرادة الوطن بتضحيات أبنائه من جيشٍ وحشدٍ وصنوفٍ أخرى، بعد أنْ تسلحت بالإيمان وروح الجهاد.يبقى أنْ نقول إنَّ الانتصار العراقي في المعركة ضد الإرهاب كان انتصاراً لجميع شعوب الأرض المحبة للسلام والرافضة للتكفير والعنف.لكنْ تبقى المعركة الحقيقيَّة التي تلي كل هذه المعارك وهذا الانتصار الكبير والأهم هي معركة صناعة السلام وترميم الجراح وتحقيق الشفاء الناجز للجسد الاجتماعي العراقي.إذ يتفق الباحثون الاجتماعيون والنفسسيون على أنَّ المعركة الحقيقيَّة ليست تلك التي تستخدم فيها الطائرات والصواريخ أو المدافع والبنادق، فهي لا تتمثل في الخنادق أو بالهجمات العسكريَّة أو التفجيرات، فليست سيارة مفخخة تنفجر هنا أو هناك، بل هي مشكلات متراكمة تركت من دون حلٍ بسبب عدم وجود إرادة حقيقيَّة لإنتاج الحلول وصناعة السلام.
المعركة الأهم هي التي يقودها المجتمع ونخبه لترميم الأرواح والقلوب من آثار الحروب والعنف، وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للفرد والمجتمع.
المعركة الحقيقيَّة هي معركة صناعة السلام وهزيمة الحرب؛ لأنَّ المعارك الحقيقيَّة ليست تلك التي تحدث على خطوط التماس بين المتحاربين، أو ما يسميه بعض العسكريين (خطوط الصد) فحسب، بل الأهم هو الواقع المجتمعي وثقافته واستئصال ثقافة العنف والإرهاب والكراهية والانتقام والثأر واستنبات ثقافة السلام والتسامح والتعايش.