حقائق التحرير ومسؤوليات الانتصار

آراء 2020/12/10
...

 علي حسن الفواز
 
للنصر توصيفات متعددة، لكنها تتجوهر حول معنى واحد، وتكشف عن قيمة واحدة هي قدرة الإنسان على تحقيق هدفه وعلى نجاحه في مواجهة الشر، بكل ما يعنيه هذا الشر من إرهاب وتكفير وكراهية.
النصر العراقي الكبير على عصابات داعش الإرهابية في 10/ 12/ 2017 هو العلامة العميقة للزمن الوطني، ولمعنى التحرير، ولسمو قيمته الإنسانيَّة، ولنجاحه في القضاء على أخطر جماعة إرهابيَّة، فما حمله النصر من معنى أخلاقي لا يقل شأناً عما حمله من معنى سياسي وأمني وثقافي، إذ تبدّى هذا النصر من خلال المعطيات الواسعة في الواقع، وفي الاجتماع السياسي والثقافي العراقي، فجريمة احتلال مدينة الموصل ومدنٍ عراقية أخرى كانت من أكثر الأخطار تهديداً لهوية العراق الجامعة، ولأمنه السيادي والسياسي، فضلاً عن أمنه الإقليمي والدولي، مثلما كانت تهديداً لمشروع الدولة الوطنيَّة، ولخياراتها في الديمقراطية وفي تنظيم آليات وسياقات الحكم والإدارة، بعيداً عن ذاكرة الديكتاتوريَّة والقهر
 والاستبداد.
تهديد عصابات داعش لمشروع الدولة، يعدّ من أكثر الحروب توحشاً ورعباً في تقويض البنى التكوينيَّة للمجتمعات، مثلما هي حرب ذات مرجعيات تطهير "انثروبولوجي" ليس لتهديها قيم التنوع الإثني والاجتماعي والمكوناتي فقط، بل لفرط خطابها العنفي والتكفيري في تخريب هويات التكوين، وقيم البناء المؤسساتي وإعادة إنتاج الاستبداد بمنظوره الطائفي والجماعوي، وهذا ما أعطى للانتصار الكبير على تلك العصابات أبعاداً استثنائيَّة، لأنه أجهض سياسات ذلك التطهير والتخريب، وأفشل أي تأسيس لخطاب التطرف في البيئة السياسيَّة والاجتماعيَّة
 العراقيَّة.
 
الانتصار والنجاح
معركة الموصل هي معركة الحسم ومعركة الانتصار، وهذا التوصيف يؤسس لمشروعية فعل النجاح، على مستوى إدارة المعركة، أو على مستوى نتائجها، أو على مستوى ما تحقق من معطيات، وما حملته من دلالات، وكذلك على مستوى الرسالة الثقافية التي كرّسها هذا الانتصار، إذ أعطت لقيمة النجاح فعلاً له أثره في نفوس الناس، وعلاقة ذلك بهوية المدينة، فالموصل تملك إرثاً وأثراً مدنياً معروفاً، تعززت فيهما قيم معروفة للتعايش بين مكوناتها، وعبر تمثيلها لطبيعة البنيات الاجتماعية والثقافية والمهنية، وهو ما جعل من المدينة وأهلهاً مجالاً لسرديات كثيرة، في سياق الحديث عن شخصيتها الشديدة في حرصها وفي التزامها، وعبر خصوصية هويتها المهنية، وهي مجال دلالي واسع لترسيم الشخصية الموصليَّة..
الانتصار في حرب التحرير، هو نجاح لتاريخ المدينة، وحافز للانتصارات والنجاحات التي تحققت في المدن العراقية التي أسلبتها عصابات الارهاب الداعشي، وأحسب أنَّ تحويل الانتصار الى نجاح فاعل وواقعي سيكون هو الرهان القادم، وهو الأفق الذي يمكن أنْ يحدد ملامح المستقبل، على مستوى إعادة بنائها كمدينة محررة، واستعادة هويتها المدنية، وعلى مستوى قدرتها على تجاوز "عقدة احتلالها" لتصنع نجاحاً وطنياً وأفقاً تتعزز فيه مسارات الأمل والأمن والعمل والبناء...