سياسة الأرض المحروقة مع إيران فخ على بايدن أن يفشله

آراء 2020/12/13
...

 باربارا سلافن: عن صحيفة نيويورك تايمز

 ترجمة: أنيس الصفار

حين خططت اسرائيل لاغتيال ستة من علماء الذرة الإيرانيين في الفترة 2010 –  2012 استندت حجة المؤيدين لتلك الاغتيالات، الى انها سوف تحد من نشاط برنامج نووي في زمن، لا يبدو ان الدبلوماسية متعددة الأطراف فيه قد حققت تقدماً محسوساً. أما اغتيال محسن فخري زاده، وهو أرفع عالم ذرة إيراني، في يوم الجمعة الماضي فقد جاء تحت ذريعة مختلفة تماماً.

لقد اعادت إيران انتاج كمية كبيرة من اليورانيوم، ولكنها لا تداني المستوى المطلوب لإنتاج سلاح نووي. كان الدافع الأقوى وراء هذا السلوك الإيراني هو انسحاب إدارة ترامب الأحادي من الاتفاقية النووية، التي كان مفترضاً بها كبح قدرة إيران على استجماع كمية من اليورانيوم عالي التخصيب تكفي لإنتاج سلاح نووي قبل كانون الثاني 2031، وقد صرحت إيران مراراً أنها سوف تعود الى الالتزام الكامل بالاتفاقية النووية، إذا ما وافقت ادارة بايدن على القيام بالشيء نفسه مع رفع العقوبات المرهقة التي فرضها عليها الرئيس ترامب.
ما الداعي إذن لاغتيال السيد فخري زاده في هذا التوقيت بالذات؟
ما نراه هو ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ماض، بدعم من الرئيس ترامب، في نية حرق الأرض لجعل العودة الى نهج الدبلوماسية اصعب على الرئيس المنتخب «جو بايدن»، حيث يبدو ان اسرائيل وإدارة ترامب توجسان خيفة من عودة ادارة بايدن بسرعة الى الاتفاق النووي، الأمر الذي سيبعث النشاط في اقتصاد إيران المترنح، وهذا سيجعل احتواء نفوذها في الشرق الأوسط أصعب، واغتيال السيد فخري زاده سوف يزيد المسار مشقة وعسراً.
لم تدع الحكومة الاسرائيلية المسؤولية عن الاغتيال، وهذا هو دأبها المعتاد، ولكن تقارير عديدة نشرت اضافة الى الجرأة التي اتسمت بها العملية، تشير بقوة الى عملاء تابعين للموساد. ربما كانت ادارة ترامب على علم بالمخطط او لعلها لم تكن، ولكن وزير الخارجية «مايك بومبيو» زار اسرائيل مؤخراً كما ان الادارة الأميركية لم تشجب عملية الاغتيال حتى الآن.
اغتيال العالم المعروف فخري زاده، الذي يعد العقل المدبّر لمحاولات إيران السابقة للتسلح، لن تنال كثيراً من مستوى الخبرات النووية الإيرانية الضخمة. ففي الماضي كان لإيران برنامج يهدف الى انتاج رؤوس حربية نووية، كما تفيد تقارير المخابرات الأميركية، ولكنه توقف منذ 17 سنة بعد ان كشفت أمره وكالة المخابرات المركزية وجماعة إيرانية معارضة.
حادثة الاغتيال الاخيرة قد لا تدفع إيران الى انتاج اسلحة نووية، ولكنها يمكن أن تشحذ روح العداء بين الولايات المتحدة وإيران وهذا سيجعل طريق الدبلوماسية اكثر وعورة. هذا كله سيصب في صالح المتشددين في إيران الداعين الى العدول عن نهج الدبلوماسية، خصوصاً أنهم يسعون الى احكام سيطرتهم على السياسة الإيرانية عبر الانتخابات الرئاسية في حزيران المقبل.جاءت ردة فعل القيادة الإيرانية ازاء عملية الاغتيال غاضبة ولكنها حذرة. قال الرئيس حسن روحاني ان إيران سوف ترد بالاسلوب والتوقيت اللذين تختارهما، القى باللوم على اسرائيل ثم اضاف قائلاً: «هذا الاغتيال الوحشي يكشف لنا ان اعداءنا يعيشون اسابيع قلق، اسابيع يشعرون فيها ان عهد قدرتهم على الضغط قد ولى وأن أحوال العالم تتغير».
هذا التصريح يوحي بأن إيران سوف تحاول الثأر من اسرائيل بطرق أخرى، فهي قد ترفع مستوى دعمها لحماس او منظمة الجهاد الاسلامي الفلسطينية، وسوف تحرص على ابقاء اسرائيل «شيطاناً أصغر» في وسائل اعلامها للمستقبل المنظور، ولكن الاهداف الاسرائيلية الرخوة (مثل السائحين والطلبة) قد يصبحون عرضة للخطر، وكذلك المسؤولون الاسرائيليون في الدول المختلفة. الأميركيون ايضاً قد يصبحون معرضين بسبب تورطهم مع اسرائيل، إضافة الى اغتيال ادارة ترامب الجنرال الإيراني الكبير قاسم سليماني في كانون الثاني الماضي.
مع تصاعد حرارة الأجواء ستواجه ادارة بايدن المقبلة تحديات جدية. لقد تعهد بايدن بالعودة الى المفاوضات مع إيران، ولكنه وفريقه لا يمكنهم الىن أن يفعلوا اكثر من بث رسالة عبر الاعلام الى إيران، بالتجمل حتى موعد التنصيب الرسمي في 20 كانون الثاني المقبل، وأخرى الى الاسرائيليين بوقف حملة التخريب التي يمارسونها.
في غضون ذلك تستطيع الدول الأوروبية، التي لا تزال محتفظة بعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران وعضويتها في الاتفاق النووي، ان تسد الثغرة لحين تنصيب بايدن رئيساً. على بريطانيا وفرنسا والمانيا التحرك بطلب انعقاد جلسة عاجلة للمفوضية المكلفة بمراقبة تطبيق الاتفاق النووي. بل ان على وزراء خارجيتهم التحرك اسرع وإصدار تصريح يشجب عملية الاغتيال ويصفها بأنها «غير مشروعة» بموجب القانون الدولي ومسيئة لقضية منع الانتشار. وقد بادر المتحدث باسم الممثلية العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية بالفعل فوصف الاغتيال بأنه «فعل اجرامي».بدأ مشروع إيران النووي في خمسينيات القرن الماضي وبعد عقد من الزمن منحت ادارة الرئيس جونسون إيران مفاعلاً نووياً صغيراً للابحاث.
على مدى 60 عاماً أعقبت انطلاق المشروع النووي الإيراني طورت اسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية كلها قنابل نووية، ولكن إيران لم تفعل ذلك، وهي الى الآن لا تملك سوى محطة واحدة عاملة للطاقة النووية وستكون فاجعة كبرى إذا ما ادى العدوان الاسرائيلي الآن، الى جعل إيران تغيير حساباتها وتتوجه صوب اكتساب السلاح النووي، لأن هذا سوف يطلق شرارة سباق تسلح نووي في عموم المنطقة ويؤدي الى بقاء الشرق الأوسط معطلاً تتناهبه الصراعات الطائفية وسواها وسوف تخيب آمال شعوبه بالتحرك نحو العمل المنتج ويصبح شبابه فريسة سهلة، امام الارهابيين يجندون منهم كما يشاءون لضرب الابرياء في جميع انحاء 
العالم.