مراكز الدراسات العربية: الأولويات البحثية وصناعة العقول

آراء 2020/12/13
...

  د. قيس العزاوي
 صدر عن مركز ابعاد للدراسات المستقبلية في اسبانيا اول مرجع موسوعي توثيقي تحليلي معرفي مكون من 800 صفحة، يوثق ويحلل مسيرة ونتاجات احد عشر مركزا للدراسات والابحاث في المنطقة العربية، وذلك للأهمية الكبرى التي تلعبها مراكز الدراسات او كما يسميها الكتاب مراكز التفكير وصناعة العقول في مأسسة السياسات وعقلنة الاختيارات والمساعدة في اتخاذ القرارات الصائبة. 
 وقد عمل فريق عمل بحثي من عدة دول عربية وزود بحرية منهجية، لتقديم قراءة تحليلية لنتاجات هذه المراكز، والانتشار والتشبيك داخلياً وخارجياً، والقدرة على استثمار ذلك في احداث تأثيرات اجتماعية وسياسية وثقافية، وهذه المراكز هي: المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات بالدوحة، مركز درسات الوحدة العربية ببيروت، مؤمنون بلا حدود بالمغرب، مركز الاهرام للدراسات السياسية والستراتيجية بالقاهرة، «المنازل الاميركية» الجديدة: مركز بروكنجز بالدوحة أنموذجاً، منتدى الفكر العربي بالاردن، مركز دراسات الخليج بالسعودية ، مركز الدراسات والابحاث في العلوم الاجتماعية بالمغرب، مركز عصام فارس للسياسات العامة والعلاقات الدولية، مركز كارنيغي للشرق الاوسط ببيروت، مركز الدراسات الستراتيجية بالجامعة الاردنية للسياسات العامة والعلاقات الدولية للسياسات العامة والعلاقات 
الدولية.يكتب الاستاذ عبد الحق الزموري مدير مركز ابعاد للدراسات المستقبلية في تقديمه لهذه الموسوعة المعرفية، مشيرا الى دور مراكز الدراسات في استيعاب التحولات الكبرى ورسم خطوط سير الجماعات والدول، ومدى تأثير هذه المراكز الكونية في صناعة العقول والاذواق وتشكيل البناءات النفسية الفردية والاجتماعية وانتاج القيمة، لقد ركز تقديم الزموري لهذا الكتاب على نقاط محددة هي:
• إنَّ البلاد العربية من بين اكثر المناطق فقراً في التعويل على مخرجات البحث العلمي واعتماد تلك الوسائل في بناء الانسان وادارة شؤونه.
• لم تعرف دولنا اهتماما واضحا بمراكز الدراسات ومحاضن التفكير، الا في العقدين الاخيرين لجهة تكوين كوادر الدولة او التخطيط الاقتصادي والاجتماعي.
• تشير الاحصائيات الى أن عدد مراكز التفكير والبحث العلمي في المنطقة العربية تناهز 300 مركز أغلبها حديث النشأة.
• نشأت مراكز الدراسات العربية التي ظهرت بحدود عام 2000 بأغلبها في حضن الدولة وتحت سيطرتها، للبحث في السياسات العامة ورصد التحولات الاقتصادية والاجتماعية، يعرفها برنامج الامم المتحدة الانمائي، بكونها «هيئات وسيطة» بين المعرفة والسلطة أو بين السياسيين 
والاكاديميين.
• واخيرا فإن الكتاب يحاول البحث عن ابداعية المقاربات والحلول، التي تقدمها مراكز البحث الجديدة ومدى استقلاليتها في بناء اجندتها 
البحثية.
إنَّ الدراسات التي قدمها بجدارة عدد من الباحثين الشباب من شتى الدول العربية، وهي بحوث اكاديمية منهجية الملتزمة استعانت واستفادت من الدراسات والتقارير الدولية، مثل التقرير السنوي الذي تصدره جامعة ماك كاين بنسلفانيا منذ العام 2008، ففي العام 2018 درس هذا التقرير نحو 250 مركزا عربيا، لم تدخل في التصنيف سوى 59 مركزا من بينها. 
ويرى الكتاب أن مؤشر جامعة بنسلفانيا كان رافعة ذات تأثير حاسم في توجهات البحث العلمي في المنطقة العربية وفي مستواه الاكاديمي وقابلية منتجاته للتطبيق، وقد أسهم في تأسيس فروع لمراكز تفكير عالمية في المنطقة العربية على غرار بروكينغ الدوحة وكارنيغي بيروت، حتى اصبح الاهتداء ببوصلة مؤشر بنسلفانيا وعياً ثقافياً وسياسياً متزايدا في الدول العربية.
   وقد تطرق الزموري الى واقع التعليم العالي والبحث العلمي العربي واشار الى ثلاثة عوائق هي: 
 اولاً: ضعف حجم الانفاق الحكومي عليه قياساً بالناتج المحلي الاجمالي، فهو يقل عن 8و0 بالمئة في المغرب وتونس وعن 5و0 بالمئة في مصر والاردن وعن 2و0 بالمئة في السعودية والعراق والجزائر والكويت، ويتبين ضعف الانفاق العربي بمقارنته بنسبة 6و2 بالمئة في 
اسرائيل .
ثانياً: غياب الحرية في التفكير والتعبير والتطوير في المدخلات 
والمخرجات.
ثالثاً: ارتباط ذلك الانفاق بميزانية الدولة وضعف علاقاته بالقطاع الخاص وذلك بسبب صعوبة التفكير من خارج الصندوق، وهو ما يعني القبول الضمني بمحدودية الحرية الاكاديمية من خلال الرقابة الذاتية او السياسية او الدينية او 
الاجتماعية.
ويلاحظ الكتاب الانزياح التدريجي في وظائف مراكز البحث المنضوية، في ظل الدول من محاضن التفكير وانتاج المعنى وصناعة العقول الى تبني مقاربات وقيم بحثية جاهزة والتسويق لها. وقد استوقفني طرح الزموري لسؤال كبير قال: هل تصنع المعرفة في الفضاء العربي انطلاقا من حاجيات محلية ام بفعل تأثيرات خارجية؟ سؤال نجد أجوبته في قراءة هذا الكتاب الموسوعي، فتحية لمركز ابعاد للدراسات المستقبلية ولراعيه المفكر التونسي عبد الحق 
الزموري.