لقد عايشنا مرحلة استثنائية من تأريخ العراق المعاصر، وهي الفترة المحصورة في العقد التسعيني من القرن الماضي. وشاهدنا صعوبة الواقع الخدمي الذي كانت عليه الدوائر المعنية بشؤون الخدمات العامة، لاسيما دوائر البلدية منها على وجه الخصوص، إذ إن أبرز ما كان يعترض عملها هو نقص الآليات الموجودة، والداخلة في الخدمة، وإذا شاهدنا آلية حديثة، فسرعان ماتلفت انتباهك، أنها مقدمة هدية من الدولة الفلانية.
وبعد إسقاط النظام السابق، انفتحت العلاقات التجارية، والاقتصادية للعراق على مصراعيها. ودخلت العراق أعداد، وأصناف، وأشكال من السيارات لاتعد ولاتحصى. الأمر الذي دعا مديرية المرور العامة إلى العمل بالنظام الفردي، والزوجي، فترات طويلة.
ولكن، الملفت للنظر ما نشاهده في دوائر البلدية في عموم العراق من تلكؤ واضح في إستيراد الآليات التي تخدم أعمالهم الخدمية، وتوفر لهم الإستغناء عن الطاقة البشرية، غير المجدية، واستثمار الوقت في سرعة الإنجاز. إذ إن دوائر البلدية لم تزل تعمل بالسياقات القديمة، ولم يطرأ على أعمالها ما يشعر المواطن بأن هناك تطورا ملحوظا في أداء الخدمات، وقد أكون منصفا أن المواطن يتحمل جزءا من هذا الإخفاق، إلا أن المواطن لم ير نظاما خدميا جذابا، كي يتقيد بشروط النظافة الواجبة عليه، وإن لم يكن ذلك مسوغا له بالإعفاء من المسؤولية، واحترام القانون في كل الظروف والأحوال.ولاشك أن هذه الفوضى في العلاقة بين المواطن، ودوائر البلدية. قد قادت إلى بيئة غير نظيفة، وغير صحية. فشوارعنا مليئة بالأتربة، والأوساخ، حتى أن بعض الشوارع المميزة في العاصمة بغداد لاتخلو من هذه الظاهرة.
إذ ما زال العامل في البلدية يحمل( الكرك)، ويجر ( العربانة) لتنظيف شوارع غاية في الطول، هذا فضلا عن أعدادهم القليلة، والمثيرة للجدل!
لأن هناك في كل قسم بلدي سجلا بعدد المستخدمين، وإن أي اختلاف بين الأعداد المسجلة، والأعداد الموجودة على أرض الواقع يعرض أصحابها إلى العقوبة وفق المادة/320 من قانون العقوبات العراقي النافذ. إذن ينبغي ان تكون هناك رقابة صارمة بشأن هذه السجلات من الجهات ذات العلاقة. بينما يمكن أن نستغني عن ذلك العمل الشاق بتوفير آليات تحمل فرش التنظيف، وهي مخصصة للشوارع العامة. وتعمل بها بلديات العالم بأسره.
وإذا كانت دوائر البلدية في العراق تحتج بعدم توفر السيولة المادية. فأنا أجزم أنها من أغنى الدوائر الحكومية في العراق إيرادا بسبب لرسوم والضرائب المستحصلة من المواطنين. إذ إستوقفني شخصيا ما تعمل به دوائر البلدية في بغداد/ الرصافة من فرض غرامات المخالفة على بيع الدور السكنية، التي تزعم أنها مخالفة للتصميم الأساس. في الوقت الذي تمنح دوائر التسجيل العقاري السندات الأصولية عن هذه الدور التي تصفها البلدية بخارج الضوابط. إذ تستوفي عن ذلك مبالغ طائلة تصل إلى (٦- ١٠ - ١٥ أو أكثر) مليون للدارا الواحدة، وبوصولات لاتبدو عليها تلك الأهمية التي من أجلها تستحصل هذه المبالغ الكبيرة. علما أن هذه المخالفة تبقى سارية المفعول متى ما أراد المشتري بيع الدار نفسها مرة ثانية، وهكذا دواليك. ونود أن نلفت عناية المسؤولين عن هذه الإجراءات، ومدى صحتها، أو مقبولية تطبيقها، أوتعديلها في الوقت الحاضر.
بيد أن الأهم في هذ الموضوع كله، أن تكون دوائرنا البلدية بمستوى الدول المجاورة على أقل تقدير، وأن تستنسخ تجاربهم في هذا المجال لتطبيقها بالفعل، وهو أمر ليس مستعصيا، إن توافرت الإرادة، والمصلحة الوطنية
العليا.