المتغيرات الثقافيَّة المحركة للصراع والحوار

آراء 2020/12/14
...

 د.عبد الواحد مشعل 
اهتمت الانثروبولوجيا المعاصرة بدراسة المتغيرات الثقافية التي تحرك الصراع أو تلك التي تعمل على تعميق سبل الحوار المجتمعي، إذ تبقى قاعدة الأصل الاجتماعي تميل إلى الحوار والتعايش السلمي،  والتساؤل الأساسي مفاده، ما قدرة العراقيين في المرحلة الحالية على الاستجابة لقاعدة الأصل الاجتماعي في التعايش المجتمعي خلال التاريخ تحت قاعدة الاندماج الاجتماعي واحترام معتقدات الاخر،  مقابل متغيرات أخرى مؤججة للصراع وهي تدور في فلك ضيق بعيد كل البعد عن المدار الجماهيري الواسع، ساعية الى الحوار مستمدة قوتها من العمق التاريخي والحضاري للشخصية العراقية التي ترجح التعايش والتفاعل البناء الذي أبدع الحضارات التليدة في بلاد الرافدين، مرتكزة على  ميكانزمات الوحدة والحوار والتعايش، نابذة كل عوامل الفرقة التي تظهر في مراحل تاريخية متباعدة في المجتمع العراقي، وهي حالات مؤقتة  تحركها عوامل محلية  لا تصمد امام القوى الثقافية الأصيلة المحركة للتعايش والحوار، وهذا ما نلمسه في ثقافة  الفرد العراقي في مختلف درجات سلمه الاجتماعي مستجيبة تلقائياً لقاعدة الأصل الاجتماعي في التعاون والحوار والتعايش السلمي، إلا أن هناك عوامل يمكن وصفها بالخارجية مرتبطة بطبيعة الخريطة العالمية الجديدة متمثلة ببروز قوى كبرى بعد انحصار المد الشيوعي التقليدي، وظهور قوى جديدة صاعدة (الثقافة الإسلامية والثقافة الصينية) بصفتها منافسا رئيسا للمشروع العالمي الذي باتت تفرضه ثقافة العولمة بمساعدة أدواتها الفعالة في ثورة المعلومات ومن ثم ثورة الاتصالات، وهو ما افترضه صموئيل هنتغتون حول صدام الثقافات بين  تلك الاطراف الجديدة والغرب، إلا أن المسألة التي  تبرز في هذا الإطار قد تكون خارج افتراض هنتغتون على النطاق العالمي، وتتصل بقضايا محلية تخص المجتمعين العربي والإسلامي في إيجاد مساحة من التفاعل والحوار في واقعها الاجتماعي، بما يعطي تصورا محليا يعمل على المدى القريب والبعيد على بلورة اتجاه نظري معاصر، تستمد أصوله من العمق الحضاري العراقي، لكن ذلك قد لا يكون بمعزل عن تأثير متغيرات جديدة في واقعنا  تعمل على خلخلة مجتمعاتنا وهو أمر خطير، إذا لم نتمكن من إيجاد السبل اللازمة لدرء أي مخاطر قد تهدد وجودنا الاجتماعي.