التاريخانيَّة.. التاريخ يجب أنْ يحكم نفسه ويتبع قوانينه

منصة 2020/12/15
...

  باسم عبد الحميد حمودي
“التاريخانية” Historicism واحدة من أهم الحركات الفكرية في القرن التاسع عشر، المصطلح “تاريخانية” عنى العديد من الأشياء للعديد من الأشخاص، وقد تمّ تعريفه بواسطة مذاهب متباينة، وهو تيارٌ قدمه فريدريك بيزير برنامجاً يعدُ التاريخ علماً، وهو أمر رفضه شوبنهاور سابقاً في كتابه الصادر عام 1842 تحت عنوان (العالم إرادة وتمثلاً), في حين إنَّ هذا التيار اتخذ سمته الفكرية في مؤلفات عدة وكتابات امتدت منذ القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا, ودخلت لا في الباب التوصيفي التاريخي بل في باب النقد الثقافي كذلك
في العام1980 كتب ستيفن غرينلات (سيرة شكسبر) كجزءٍ من أدب السيرة الذاتيَّة – التاريخيَّة؛ وذلك بدراسة عصره وأدبه المسرحي, وقد حاز جائزة بوليترز عام 1012عن كتابه (الصدى والأعجوبة) 1990 الذي يقدم له بقوله: (يجب على الناقد أنْ يأخذ بعين الاعتبار العصر الذي عاشه النص والمؤثرات التي مورست عليه من قبل السلطة) استناداً الى ويكيبيديا.
وقد اعتمد أحد أبرز ممثلي التاريخانيَّة الجديدة المؤرخ الناقد جان هوارد في كتابه (التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأميركيَّة) التطور التاريخي السردي للتاريخ بوصفه مادة شعبويَّة منبثقة من أساطير وحكايات شعبية تعتمد (الواقعة الشعبيَّة) أساساً, من دون إخلال بالتطور التاريخي لبنية الأرض الجديدة السكانيَّة منذ عصر سيطرة السكان الأصليين الذين سموا بالهنود الحمر من قبل المكتشف كولومبس تفريقاً لهم عن الهنود أساساً, في ظن منه أنه دخل أرض الهند الجديدة, وهو في ذلك يقدم فصوله البكر عن تاريخ هذه الأرض وتطور بنيتها الاجتماعيَّة والسياسيَّة.. حتى العصر الحديث.
إنَّ التاريخ في aمفهوم التاريخانيَّة يقدم المادة السردية التاريخيَّة مصحوبة بمروياتها المتعددة، وهو في ذلك أقرب الى الدقة من العرض التاريخي الصلب - اليابس, الذي يعتمد الوقائع مروية من طرف دون آخر.
ويقودنا ذلك الى عدّ التاريخ الشعبي هو المفتاح الأساسي لكتابة تاريخ حقيقي المادة العراقيَّة, فضلاً عن المدون التاريخي الكلاسيكي, ونحن بهذا بحاجة الى كتابة المادة التاريخيَّة بمعزلٍ عن الحماس والأدلجة المسبقة وطرق العزل والتهميش وإخفاء معلومة لصالح أخرى.
إنَّ كتابة (الواقعة) تستند الى الكثير من القناعة والصدق وإيراد جميع الرؤى لتأكيد أو استخلاص (الحقيقة)... والسؤال هنا ينقسم الى سؤالين جوهريين, الأول منهما: كيف نحذف الأيديولوجيا مسبقة التأثير من (الواقعة)؟ والثاني هو: أي (تواريخ) ندون: تاريخ الوقائع السياسيَّة؟ أم تاريخ الموسيقى أم تاريخ الشخوص أم تاريخ التعليم أو التاريخ الصحي، أم هو تاريخ المستشفيات والطب والمشافي؟ إنه كل ذلك إضافة لتاريخ الأدب والسرد والنقد ولكن:  التاريخ التاريخاني لكل مجتمع ينصنع من كل ما أفرزه المجتمع لنفسه وللعالم من مادة حياتيَّة منقسماً الى أشكال التاريخ المتعددة: التاريخ السياسي والفلسفي والطبي والتعليمي وسوى ذلك. التاريخ هنا هو الحقيقة الصائبة التي تعتمد دون انحراف، حيث تتكامل فيها الحقيقة وتغدو المادة المدونة مرجعاً حقيقياً.