العربيَّة في عيدها.. ليست لها طفولة ولا شيخوخة

منصة 2020/12/16
...

  إعداد: الصباح
 
على الرغم من وصول عدد لغات العالم إلى ما يقارب 7000 لغة، إلا أن اللغة العربية تحتل مكانة مهمة بين اللغات العالمية وتعد الأكثر انتشاراً في العالم، وقد تغزل بجمالها الكثير من الشعراء العرب وأشادوا بأهميتها، وعلى رأسهم محمد مهدي الجواهري، أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، فهي تحتل مكانة خاصة في قلوب جميع العرب، ما جعل اسمها يلمع في كل بقعة على هذه الأرض على الرغم من التحديات الكثيرة التي تواجهها، ولأهمية هذه اللغة الجميلة، كان لا بُد من تخصيص يومٍ في تقويم السنة لتخليدها ونشرها على نطاقٍ أوسع.
يرتبط اليوم العالمي للغة العربية بالقرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 كانون الأول/ ديسمبر عام 1973، والذي أقرّ بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن مجموعة اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة على الرغم من أنَّ النسبة الأكبر من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تتحدّث بلغاتٍ أخرى غير العربية، وعليه اعتمدت (اليونسكو) اليوم العالمي للغة العربية عام 2012 للاحتفال باللغة العربية سنوياً، دعماً لرؤيتها نحو تعزيز تعدد اللغات والثقافات في الأمم المتحدة، كذلك اعتمدت بدورها شعار اليوم العالمي للغة العربية الذي يرمي إلى توعية العالم بتاريخها المشرّف وأهميتها العظمى، ويتجلّى ذلك من خلال مجموعة من البرامج والأنشطة والفعاليات المختلفة.
 
«لغة الضاد»
ويُطلق على اللغة العربيَّة تسمية “لغة الضاد” لأنّها انفردت بهذا الحرف من بين لغات العالم، وتميزت العربيَّة بالحروف الحلقيَّة التي يصعب على الشعوب الأخرى نطقها، خصوصاً حرف الحاء وهو أكثر تميزاً لها من حرف الضاد.  بينما يرى آخرون سبب تسمية لغة الضاد لقدرتها على أداء معانٍ متضادة، فضلاً عن أنَّ حرف الضاد أخذ اسمه من ظاهرة (التضادّ)، أي أنَّ لصوت الضاد مخرجين متضادين فهو يخرج تارة من الحافة اليمنى وأخرى من الحافة التي تقابلها وتضادها في الاتجاه.
اللغة ليست مجرد وسيلة للتخاطب والتواصل فحسب، بل هي وعاء يحمل موروث الأمة الثقافي والعلمي والتاريخي. وتقيم روابط الاتصال والانسجام بين أبناء الأمة الواحدة. فهي انتماء وهوية. إذ إنَّ الناس ينتسبون إلى لغاتهم.
وكانت للغة العربية دولة بلغت ذروتها في القرنين 2 و3 الهجريين، إذ كانت اللغة الحضارة العالميَّة وقد حلت محل اللغات العالمية آنذاك كالفهلوية واليونانية والقبطية والبربرية وغيرها.
وأقبلت الشعوب على تعلمها وحفظها بل باندفاع شديد، وجاؤوا من إيطاليا وأوروبا إلى الأندلس لتعلمها ، يقول أحد المؤرخين: إن أدباء أوروبا آنذاك سحرهم الأدب العربي وصاروا يكتبون بلغة العرب واحتقروا اللاتينية، حتى يقول أحد قساوستهم: وا أسفاه، إنَّ الجيل الناشئ من المسيحيين لا يحسنون أدبًا أو لغة غير الأدب العربي واللغة العربية وإنهم  ليلتهموا كتب العرب ويجمعوا منها المكتبات الكبيرة بأغلى الأثمان.
 
تنفرد عن غيرها
ينادي شعار اليوم العالمي للغة العربية بتذكير العالم بأهمية هذه اللغة العظيمة، وهذا لما تتمتّع به من مزايا وسمات خاصة تجعلها تتفوق على غيرها من اللغات الأخرى في العالم. وهنا أبرز ما تنفرد به هذه اللغة الفريدة:
* لغة القرآن وجزءٌ لا يتجزأ من إقامة العبادات والصلاة في الإسلام.
* لغة شعائرية رئيسة في عدد كبير من الكنائس المسيحية في الدول والمناطق العربية.
* من اللغات الرسمية الست في الأمم المتحدة.
* اللغة الرسمية الأولى لدول الوطن العربي.
* ينطق بها ما يقارب 400 مليون نسمة على مستوى العالم.
* سبب كفيل لتوحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.
* أسهمت في نقل وحفظ تاريخ العرب منذ العصر الجاهلي والى وقتنا الحالي.
* عامل أساسي في توارث المعارف ونقلها ونشرها في مختلف أنحاء العالم العربي.
* من اللغات المميزة التي تُكتب من اليمين إلى اليسار.
* من أصعب اللغات تعلّماً في العالم.
* تنفرد بكونها من اللغات النادرة الغنية بالمفردات والصور الفنية، إذ تتفوق بعدد مفرداتها الذي يصل إلى ما يقارب 12 مليون كلمة.
* الأصل لبعض المفردات الغربية في مختلف المجالات وعلى رأسها العلوم.
يشكّل اليوم العالمي للغة العربية للناطقين بها أهمية كبيرة، لذا فإنَّ المشاركة في اليوم العالمي للغة العربية ضرورة حتميَّة لا بُدَّ منها من قِبَل جميع شرائح المجتمع على مستوى الأفراد والمؤسسات، وهنا يجب التنويه بدور اليونسكو الكبير في مشاركاتها المؤثرة التي تستوجب كشف الستار عن بعض القضايا المهمة المتعلقة باللغة العربية، مثل حلول بعض اللغات الأجنبية محل اللغة العربية في 
مجال التواصل اليومي والمجال الأكاديمي وحلول اللهجات العربية المحلية محل اللهجة العربية الفصحى، وهذه من أهم فعاليات اليونسكو هذا العام، والتي ستتمثّل بإجراء مناقشة عالمية لدراسة الدور الفّعال لمختلف أكاديميات اللغة وأهميتها، وعليه فإنَّ من الواجب علينا أيضاً أن نكون جزءاً من هذه المشاركات الفعالة من مختلف مواقعنا.
 
تاريخ موجز
نجد أن اللغة العربية تعدُّ جزءاً من أقسام اللغة الوسطى للسامية، والتي تضم العبرية والآرامية والفينيقيَّة، ويُعتقد أنَّ اللغة تطورت من اللغة الآرامية منذ أكثر من 
ألف عام بين قبائل البدو في صحراء شبه الجزيرة العربية (كلمة 
العربية تعني البدو)، وبعد الفتوحات الإسلامية التي بدأت 
في القرن السابع، انتشرت اللغة العربية على نطاقٍ واسعٍ في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ووسط وغرب آسيا، وحتى في أجزاء من الصين، وساعد استيعاب السكان الأصليين 
لثقافة العرب ودينهم ولغتهم على زرع بذور اللغة العربية لتنتشر عبر القرون القادمة، واليوم أصبحت اللغة العربية هي اللغة المشتركة للعالم العربي.
 ويقع غالبية الناطقين باللغة العربية في شمال أفريقيا، والجزيرة العربية، والشرق الأوسط، 
والمعروفة باسم العالم العربي، كما 
أنَّ هناك 25 دولة تتخذ اللغة العربية لغة رسمية أو مشتركة من بينهم: العراق، مصر، الأردن، الكويت، السودان، تونس، المملكة العربية السعودية 
وغيرهم.. يمكنك أيضًا العثور 
على متحدثين باللغة العربية منتشرين في جميع أنحاء العالم، إذ تمت إعادة توطين ملايين المهاجرين العرب على مدى الأجيال القليلة الماضية، في أماكن مثل البرازيل 
وشمال أوروبا ووسطها والولايات المتحدة وجنوب شرق آسيا.
 
لماذا العربية مهمة؟
اللغة العربية تعد جزءا أساسيا في حياة العرب بغض النظر عن اختلافاتهم اللّغوية والثقافية، فهي مفتاح فهم القرآن الكريم لدى المسلمين، وسيلة أساسية لقراءة وفهم الأدب والشعر العربي الأصيل، كما أنها تأخذ أهمية كبيرة بسبب الأهمية الستراتيجية للمنطقة العربية التي باتت ذات أهمية كبيرة في العصر الراهن. يعتقد كثير من ذوي الاختصاصات العلميَّة أنهم غير محتاجين الى معرفة أسس اللغة السليمة ما دام الأمر متعلقاً بالفهم والإيصال فحسب. وهو اعتقادٌ واهمٌ، ذلك أنَّ من لا يمتلك الحدَ المعقول من سلامة اللغة والأسلوب، لا يستطيع إيصال علمه إلى الآخرين بصورة صحيحة.يقول الشاعر نزار قباني عن اللغة العربية: «إنّ اللغة 
العربية تضايقهم؛ لأنّهم لا يستطيعون قراءتها، والعبارة العربية تزعجهم؛ لأنّهم لا يستطيعون تركيبها.. وهم مقتنعون أنّ كلّ العصور التي سبقتهم هي عصور انحطاط، وأنَّ كلّ ما كتبه العرب من شِعرٍ منذُ الشّنفرى حتى اليوم هو شعر رديء ومنحط.. تسأل الواحد منهم عن المتنبي، فينظر إليكَ باشمئزاز كأنّك تحدثه عن الزائدة الدودية، وحين تسأله عن 
الأغاني والعِقد الفريد والبيان والتبيين ونهج البلاغة وطوق الحمامة يردُّ عليك بأنّه لا يشتري اسطوانات عربية، ولا يحضر أفلامًا عربيّة».
وقال طه حسين عميد الأدب العربي: «ما أكثر ما نشكو من أنّ اللغة العربية ليست لغة التعليم، وما أكثر ما نضيقُ ذرعًا باضطرارنا إلى اصطناع اللغات الأجنبية في التعليم العالي.. ولكن ما أقلّ ما نبذلُ من الجهد لنجعل اللغة العربية لغة التعليم.. بل نحن لا نبذل في هذا جهدًا ما».