في مثل هذا اليوم 18 من تشرين الثاني عام 1973م صدر قرار الأمم المتحدة بعده (يومَ اللغة العربية العالمي)، وقد دعت المؤسسات الثقافية في العالم كافة للاحتفاء بها لغة عالميَّة وإدخالها ضمن اللغات الرسميَّة ولغات العمل في الأمم المتحدة، مؤكدة ضرورة وضع البرامج والفعاليات الثقافيَّة التي من شأنها إعادة اللغة العربية إلى واجهة المشهد الثقافي العالمي.
وقد منحها القرار دعماً كبيراً في المحافل الدوليَّة والمؤسسات الأكاديميَّة والهيئات الثقافيَّة، كما تفاعل العرب مع هذا القرار الأممي وحفزهم على إصدار قوانين بشأن سلامة اللغة العربيَّة كالذي صدر ببغداد سنة 1973م واعتُمِد ضمن مهام المجمع العلمي العراقي الذي تم تعطيله بعد سنة 2003م بعد إخضاعه للمحاصصة السياسيَّة، أما قانون اللغات العراقي لسنة 2014م فلم يقر اللغة العربيَّة اللغة الرسميَّة الوحيدة وإنما مشتركة مع اللغة الكرديَّة في العراق. وقد شجع هذا اليوم العالمي تبني برامج تطوير مهارات تدريس اللغة العربيَّة بكل علومها وفنونها النَّحويَّة والبلاغيَّة واللغويَّة، وتأسست مجالس وهيئات حماية اللغة العربيَّة في دولٍ عديدة كالجمعيَّة الجزائريَّة للدفاع عن اللغة العربيَّة سنة 1990م، كما تصدَّت مؤسسات أخرى بوضع جوائز إقليميَّة ودوليَّة تشجيعاً وتكريماً للعلماء العاملين بمجال علوم القرآن واللغة العربيَّة مثل جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1977م وجائزة محمد بن راشد آل مكتوم في اللغة العربيَّة 2014م. وإنشاء مجامع اللغة العربيَّة المستحدثة مثل مجمع اللغة العربيَّة في الشارقة سنة 2016م، وإلى جانب ذلك ظهر الاهتمام بالمعاجم العربيَّة التي توقف العمل فيها منذ العام 1960 حين صدر المعجم الوسيط من مجمع اللغة العربيَّة في القاهرة، فاتجه العرب إلى إصدار معاجم تهتم باللغة الشعريَّة كمعجم البابطين للشعراء العرب، ومعجم الدوحة التاريخي للغة العربية. ونقدر عالياً مساهمة المستشرق الألماني (أوغست فيشر) مطلع القرن العشرين الذي سعى إلى تسجيل تطور اللغة العربيَّة حتى عام 300 للهجرة، وجاءت بعده محاولات أخرى.
ولم يقتصر الاهتمام اللغوي بأسرار اللغة وعلومها ومعاجمها وإنما اتسع الاهتمام لنشر الثقافة والفنون، فاللغة تؤسس للفكرة الإنسانيَّة المطلقة التي تلم شمل المجتمعات في النقاط المشتركة، وما يؤكد هذه الحقيقة ما قامت به مؤسسات كثيرة بإعداد الملتقيات الثقافيَّة والمهرجانات الشعريَّة مثل مهرجان ربيع الشعر الذي تنظمه مؤسسة البابطين للإبداع الشعري في الكويت مع جوائزها في مجالات الإبداع كافة. ولا يفوتنا ذكر تأسيس جوائز بأسماء شعراء وكتاب وروائيين كجائزة الشاعرعبد الوهاب البياتي وجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي، إلى جانب ذلك ما نشهده من ازدياد فتح مراكز ومعاهد متخصصة في الجامعات الأميركيَّة والأوروبيَّة مثل معهد الدراسات العربيَّة المعاصرة في جامعة جورج تاون بواشنطن وجهوده لتطوير طرائق تدريس اللغة العربيَّة. وامتد هذا إلى زيادة فتح (كراسي دراسية عليا) مثل كرسي جبران خليل جبران في جامعة ميريلاند الأميركيَّة وغيره. وفي مقابل الاعتزاز بكل الجهود الخيرة لإعادة هيبة اللغة العربية شكلاً ومضموناً نلمس تراجعاً في استعمال اللغة الفصحى خاصة مع تضاعف أعداد القنوات التلفزيونيَّة والإذاعات والصحف والمجلات وظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة المتمثلة ببرامج الفيسبوك والإنستغرام والواتساب والتطبيقات الأخرى وغيرها وهذا التراجع ينسحب على الكتابة من حيث الأسلوب وكثرة الأخطاء الإملائيَّة وعدم الانضباط اللغوي- في نشرات الأخبار والبرامج الثقافية وظهور اللغة الصوريَّة والرمز بديلاً عن الكلمات واستعمال الأرقام لتشير إلى كلمات بعينها أوحذف بعض الحروف من الكلمات وقد - أصبح كل إنسان هو الكاتب والناشر في الوقت نفسه- ومن دون رقيب لغوي أو لجنة متخصصة فضاع الجيد مع الرديء والغث مع السمين، وهو أمرٌ يدعو الحكومات والأكاديميين والباحثين والقائمين على مؤسسات اللغة العربية إلى توحيد جهودهم بحسب معطيات العصر إلى ابتكار طرائق تدريس جديدة تنسجم وتقنيات التعليم الحديثة وهي مهمة الدوائر والمجامع اللغويَّة لمواكبة التطور التقني السريع.
فتحية لكل من أسهم في دعم اللغة الفصحى ولغة الضاد إنما يضيء حرفاً بجنب حرف آخر ليعود عنفوان الكلمة الصادقة. ونتمنى أنْ تمارسَ الهيئات والاتحادات والجامعات والمعاهد الثقافيَّة دورها لتصحيح مسار اللغة العربيَّة ولا تكون عبئاً عليها كما يعبر الجواهري العظيم:
فأمُّ (الضَّادِ) قدْ هُتِكَتْ
ورَبُّ (الضَّادِ) قدْ جُلِدا
بهِمْ عَوَزٌ إلى مدَدٍ
وأنْتَ تريدُهم مَدَدا!!؟