من الذاكرة.. العرب وأنسنة التاريخ

آراء 2020/12/16
...

  أ.د. نجاح هادي كبة

مشكلة الرق او التمييز العنصري ضاربة بجذورها بعيدا في التاريخ عند اليونان والرومان والعرب وغيرهم، وقد تعامل العرب مع هذه الظاهرة تعاملا إنسانيا منذ العصر الجاهلي، فيذكر ابن السائب الكلبي (أولاد الإماء الذين شرفوا من العرب) منهم: النعمان بن المنذر اللخمي (ملك العرب) والحطيئة العبسي (الشاعر الشهير) والفرزدق (الشاعر الذي عرف بنقائضه مع جرير في العصر الأموي)، وعمار بن ياسر (الصحابي الجليل) وغيرهم كثير "مثالب العرب والعجم، محمد حسن الدجيلي، دار الاندلس، بيروت، 2009 م ط1".

 وحينما نزل الاسلام تعامل مع هذه الظاهره تعاملا روحيا وانسانيا (فالناس سواسية كأسنان المشط)، (ولافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) وغيرها من الاحاديث الشريفة، وكانت نظرة الاسلام في تحرير الانسان من الرق نظرة عملية، فالشريعة السمحاء تغلغلت في نفوس المسلمين ما أدى تدرجا الى تحرير الناس من العبودية والرق نفسيا واجتماعيا حتى صار قسم منهم حكاما مثل كافور الاخشيدي 
(905 - 968) اذ حكم مصر وهو زنجي، كما أسقط الاسلام قسما من الفرائض عن بعض المسلمين نتيجة تقصيرهم في ادائها بتحرير العبيد وكانت المساواة والاخوة تجمع المسلمين عبيدا وأحرارا لكن الاسلام لم يأمر بتحريم ظاهرة العبودية مباشرة لأن سياسة الاسلام تدرجية مع الظواهر واثبتت نجاحها في تحرير كثير من  العبيد، عكس ماحدث من فشل في تحرير العبيد في اثناء الحرب الاهلية الاميركية حين أصدر الرئيس ابراهام لنكولن في 1 ينار 1863 قرارا رئاسيا فوريا بتحرير العبيد، اذ رجع العبيد بعد فترة قصيرة الى اسيادهم مطالبين برجوعهم اليهم قائلين استعبدونا، استبعدونا ذلك لان الحرية تمنح ولاتعطى، وهذا ما سارت عليه الشريعة السمحاء في تحرير العبيد، وكثيرا ماتطلق الحرية للمرأة الجارية او الأمة عن طريق العتق الذي امربه سبحانه لقاء التكفير عن التقصير في الواجبات الدينية كالصوم – كما مر سابقا – وقد فعل ذلك اكثر الخلفاء العباسيين فكانوا يعتقون الجواري ثم يتزوجونهن (أمثال الجارية خيزران زوجة الخليفة المهدي 
(158 - 169هـ ) والجارية قبيحة زوجة الخليفة المتوكل (232 - 247هـ ) والجارية شغب زوجة الخليفة المعتضد (279 - 289هـ) وقد انجبت خيزران الهادي والرشيد وهي من أصول يمانية وقبيحة انجبت الخليفة المعتضد بالله والمنحدرة من اصول رومية وشغب انجبت الخليفة المقتدر وهي من اصول رومية أيضا، وغيرهن (دور الجواري والقهرمانات في دار الخلافة العباسية، د. سولاف فيض الله، دمشق، 2013 م ط1، 
ص:55).
 والقهرمانة وهي لون من ألوان الجواري في المجتمع العباسي مع انها أرفع منزلة وشأنا في شريحة الجواري التي تنتمي اليها، لان هذه التسمية كانت استعملت للاشارة الى الوظيفة التي تخص الامور المالية من الدخل والخرج في البلاط العباسي .... 
ونجد تعدد وظيفة القهرمانة عند بعض الخلفاء، فضلا عن وظيفتها الاصلية، مثل مبايعة الخليفة كما فعلت القهرمانة (علم) للخليفة المستكفي (333-334هـ) ومنهن من جلسن للمظالم: مثل القهرمانة في خلافة المقتدر بالله (259 - 320هـ) وغيرهن (دور الجواري والقهرمانات في دار الخلافة العباسية، المصدر السابق، 
ص:34  - 35).
 وقد حظيت الخيزران بمنزلة رفيعة في البلاط العباسي (ويذكر ان الخيزران رافقت المهدي عندما كان في طريقه الى الري وهي حامل بمولودها سنة (158هـ) حين انتقلوا الى العاصمة بغداد في قصر الخلد، بدأت الخيزران تثبيت مركزها.... كانت ذكية وتحسن الحديث والمناقشة وتحسن استعمال ماتعرفه من الوان المعرفة، ويذكر بأنها تثقفت كثيرا، لان في عهدها كان يسمح للجواري بالجلوس في حلقات الدروس التي كانت تلقى في المساجد لتعليم التلاميذ والطلبة.... وكانت قد سمعت على عالم الشام الاوزاعي (ت:157هـ) عندما انتقلت الى البلاط العباسي .... كانت الخيزران في بعض المناسبات تستقبل رجال الدولة وقواد الجند،  داخل قصر السلامة قبل ان يستقبلهم الخليفة المهدي شخصيا (دور الجواري والقهرمانات في دار الخلافة العباسية،  المصدر السابق، 
ص: 66  - 69). 
إنَّ التسامح الانساني عند العرب والمسلمين بلغ حدا ان اصبح العبيد حكاما.