تجارب العدالة الاجتماعيّة

آراء 2020/12/20
...

  بشير خزعل
أثبتت التجارب على مدى سنوات طويلة أن استقرار اغلب الدول حتى وإن كانت ضعيفة اقتصاديا مرتبطة بمدى توفر العدالة الاجتماعية لشعوبها، فدول كثيرة في اوروبا وآسيا وأفريقيا تعاني من مصاعب اقتصادية كبيرة، لكنها مستقرة سياسيا واجتماعيا.
 لا تشهد اعمال عنف او تظاهرات متكررة، بسبب قناعة تلك الشعوب بسيادة القانون بصورة صحيحة متكاملة، وتوفر مستوى العدالة في فرص العمل ومتطلبات الحياة من تعليم وصحة وخدمات رغم شحتها، سيّاح الدول العربية ممن يذهبون الى اوكرانيا وجورجيا وصربيا ودول اخرى يغتنمون فرص القوة الشرائية للدولار في تلك الدول الضعيفة اقتصاديا، وفي الوقت نفسه يبهرهم مستوى الرقي والتطور والعمران، بما يؤهل تلك الدول لأن تكون وجهات سياحية، لكن في دولهم الغنية بالنفط والموارد، لا وجود لما يبتغونه مثل الدول التي احترفت استثمار ثرواتها بشكل صحيح،  الاحتجاجات التي تحدث في مدن عراقية مختلفة من الجنوب الى الشمال، اساسها الشعور بتقصير الدولة تجاه مواطنيها، فلا وظائف عامة او خاصة ولا خدمات مع تفشي الفساد والمحسوبية واسباب اخرى كثيرة، ادت الى انحراف ميزان العدالة الاجتماعية بزاوية مائلة كبيرة اجبرت فئات واسعة من الشعب على التظاهر والتصادم مع الاجهزة الامنية، التي تحاول جاهدة الحفاظ على الممتلكات العامة وحياة الناس، ولم تعد الشعارات السياسية او القومية تجدي نفعا في تغيير بوصلة المحتجين نحو اتجاه ما،  او تقنعهم بالتخلي عن متطلبات العيش الكريم، وادى عدم تنفيذ خطوات الاصلاح الى عدم ثقة المواطن بالحكومات التي توالت على السلطة، الامر الذي اثر  سلبا في استقرار البلاد، وبدلا من تفرغ الشعب والحكومة للإعمار، اصبحت الشوارع والساحات مناطق للمواجهة بين الطرفين، ومع استمرار الاختلافات والتجاذبات السياسية التي تؤثر سلبا في التوحد، نحو برنامج اقتصادي ستراتيجي يرسو بالبلاد الى بر الامان، تزداد الاوضاع تعقيدا وتتفاقم المشكلات التراكمية في مجال الخدمات والبنى التحتية وتوسع حجم البطالة بين فئات الشباب، وتتقلص معها فرص ارساء العدالة الاجتماعية بين اوساط المجتمع العراقي بفئاته المختلفة، ما ادى الى ظواهر مستحدثة كثيرة ومتنوعة، الاقتصاد المستقر وتنوع فرص العمل ووفرتها في بلد مثل العراق هي افضل وسيلة للاستقرار السياسي والامني والاجتماعي، كما يمكن ان يؤدي الى ارساء قيم اجتماعية عالية تدوم حتى في فترات الازمات الصعبة، وتبقي المجتمع هادئا مستقرا وقانعا بأداء مؤسسات الدولة.