شيلي كلبرتسون*
ترجمة: بهاء سلمان
توشك الحرب الأهلية السورية على اتمام عامها العاشر، وإنحسر القتال داخل طريق مسدود ووعر، لكن سوريا تبقى مقسمة؛ فنظام الأسد قد استعاد السيطرة على معظم الأراضي، بيد أن الأكراد المدعومين أميركيا يسيطرون على مناطق الشمال الشرقي، وتفرض تركيا سيطرتها على الكثير من مناطق الحدود الشمالية، وتبقى محافظة ادلب الواقعة شمال غرب البلاد موضع نزاع مع تمركز هائل لتنظيم القاعدة فيها. وتلاشت الآمال المعلقة على مفاوضات مدعومة دوليا للوصول الى حل سياسي من خلال محادثات السلام في جنيف برعاية للأمم المتحدة، ومحادثات استانا المشتركة بين روسيا وايران وتركيا.
ويظهر حل "لا اتفاق" ليمثل النتيجة الأكثر احتمالية لهذا النزاع المعقّد، وفقا لمصادر مقرّبة من الدوائر الدبلوماسية، وبكلمات أخرى، لا ملائمة لامكانية حصول اتفاقية رسمية لإنهاء الحرب السورية والشروع بالسلام، وربما سيصل الوضع الراهن الى حالة من الجمود.
وتمحي محصلة اللا اتفاق احتمالية أن يتمكن الـ5 ،6 مليون لاجئ سوري المقيمين في الدول المجاورة من العودة مطلقا والعيش في الوطن مجددا، رغم الدعوة الأخيرة التي أطلقها الرئيس السوري بشار الأسد لعودة جميع اللاجئين، فالحرب غير المنتهية تخلق لاجئين دائميين.
ومن دون وجود اتفاقية سلام رسمية تفرض سلامة العائدين، وتخلق قاعدة أساس للاستثمار للنهوض بالبنية التحتية المدمرة لسوريا، لن يعود السوريون الى ديارهم، فالمغادرون للبلاد يخشون العودة بسبب ورود تقارير تشير إلى تعرّض العائدين إلى الإعتقال والسجن
والتعذيب.
وسيكون من الصعب إعادة سكان مناطق عديدة من دون تفعيل جهود منسقة لإعادة البناء، والتي لن تحصل طالما ينظر المستثمرون الدوليون الى الحرب المعلّقة الحل تقف كمغامرة خطرة للغاية، خصوصا إذا ما بقيت العقوبات الأميركية مفروضة على البلاد.
وتعرّض أكثر من نصف سكان سوريا قبل الحرب، والبالغ تعدادهم 23 مليون، إلى التهجير من مناطق سكناهم، بضمنهم 6،2 مليون نازح داخل البلاد، و5،5 مليون لاجئ في دول الشرق الأوسط، إضافة لمليون آخر رحلوا الى أوروبا. وعاد إلى البلاد 250 الف سوري فقط؛ وعملت الأعداد الهائلة للاجئين السوريين على تغيير ديموغرافية الشرق الأوسط، فثلث عدد السكان في لبنان هم لاجئون سوريون، كما يقيم أربعة ملايين منهم داخل تركيا، وتتراوح نسبتهم من إجمالي عدد السكان في الأردن من عشرة الى عشرين بالمئة؛ مع أن جميع هذه الدول تستضيف السوريين بشرط عودة غالبيتهم في نهاية المطاف إلى سوريا.
لا تبدو ظروف اللاجئين السوريين كونها تمثل وضعا عمليا دائميا، فسكان الدول المستضيفة، التي تعاني مسبقا من ظروف اقتصادية صعبة، مستاؤون من تواجد السوريين، رغم إنهم يعيشون في ظروف فقر مدقع. ووضعت الدول المستضيفة أنظمة تصّعب جدا السماح بعمل غالبية السوريين بشكل قانوني، بدافع الخوف على معدلات البطالة المرتفعة بين مواطنيها. وبدون مساعدات انسانية كافية، يشير هذا الوضع الى عمل غالبية السوريين خلسة، متقاضين إجورا متدنية للغاية، ولا تشملهم قوانين السلامة والضمان الاجتماعي المكفولة للمواطنين. ولا توجد وسائل تمكن اللاجئين من تعليم أبنائهم أو الحصول على الرعاية الصحية إلا بمستويات متدنية للغاية، مع عدم ذهاب أكثر من نصف الأطفال الى المدارس. وانحدر تصنيف السوريين من سكان بمستوى دخل متوسط إلى ما هو أدنى من مستلزمات التنمية البشرية الأساسية.
تعد هذه الظروف مفزعة، لكنها ربما تبدو وكأنها شيء ينبغي القبول به عندما تم النظر الى التهجير السوري كحالة مؤقتة لغاية انتهاء الحرب، بيد أن تسوية اللا اتفاق تعني أن آفاق عودة اللاجئين السوريين على نطاق واسع ربما لن تظهر في العقد المقبل، أو على المدى البعيد.
وتجري حاليا عملية يصير فيها الشرق الأوسط منطقة تضم طبقات دنيا دائمية للناس المرحّلين عن ديارهم، منتظرين حلولا لا تأتي وبلا حقوق قانونية للبدء بحياة كريمة كمواطنين. ويعد الفلسطينيون والصوماليون والأفغان أمثلة بارزة على إنشاء حالة لاجئين دائميين، فقد فر الفلسطينيون من ديارهم سنة 1948 و1967 ليعيشوا تحت مظلة الأمم المتحدة داخل لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية وغزة. اليوم، يصل تعداد اللاجئين الفلسطينيين إلى خمسة ملايين بسبب زيادة عدد السكان. وبترحيلهم منذ أكثر من نصف قرن، لا يزال الكثيرون يقيمون في مخيّمات تحوّلت الى أحياء حضرية فقيرة، مع نظام تعليم توفره الأمم المتحدة مموّل من قبل المانحين الدوليين، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي لبنان، تم حصر عمل الفلسطينيين قانونيا بأعمال بسيطة لا تتطلب المهارة.
بشكل مماثل، تم ترحيل تجمعات سكنية من الصوماليين والأفغان لعقود، كما يبقى نحو 1،3 مليون عراقي نازح داخل بلادهم على إثر المعارك مع عصابات "داعش" الإرهابية. وعلى نطاق عالمي، هناك حاليا أكثر من ثمانين مليون من المرحلين بسبب النزاعات حول العالم، وهو ما يوازي عدد سكان ألمانيا. وخلال العقود الأخيرة، عادت أعداد ونسب أقل من اللاجئين الى ديارهم.
ومن دون حماسة متزايدة تبديها القيادات الدبلوماسية للتفاوض حول تسوية رسمية، مثل الإدارة الأميركية المقبلة، ربما سينتهي المطاف بالسوريين إلى الاستمرار بحالة من نسيان مؤلم، مثلما حصل للفلسطينيين، وإلى الأبد. وفي منطقة حيث تتوالى فيها أمواج من الحروب، فإن خلق المزيد من أجيال لا فرصة لها ينبغي أن ينظر اليه بقلق من قبل العالم بأكمله.
بامكان الادارة الأميركية المقبلة تضمين خيار الدبلوماسية للتسوية السورية ووضعها كأولوية، وإذا لم يتم التوصل لمثل هذا الحل، حينها ينبغي توفير أولوية عاجلة لإنشاء سبل تمكن اللاجئين من الشروع بحياة طبيعية في بلدان أخرى، مع فرص متساوية للعمل والتعليم؛ وستكون الخسائر البشرية والاقتصادية هائلة للغاية إذا ما بقي الوضع الراهن على حاله.
*شيلي كلبرستون باحثة لدى مؤسسة راند
صحيفة ناشيونال انتريست الأميركية