نظرة على مشاركة العراق في المؤتمر السادس عشر لحوار المنامة حول الأمن الإقليمي

آراء 2020/12/22
...

 محمد عدنان محمود 

شارك العراق في القمة السادسة عشرة للأمن الاقليمي، والتي نظمها المعهد الدولي للدراسات الستراتيجية بالتعاون مع وزارة الخارجية البحرينية، وتحت عنوان مؤتمر حوار المنامة للأمن الاقليمي، والذي عقد للمدة من 4 - 6 /2020 في البحرين بمشاركة عدد من المسؤولين في وزارات خارجية والدفاع والامن الوطني، لمختلف دول العالم، فضلا عن عدد من الباحثين والمتخصصين في مجال الدراسات الستراتيجية والدولية، إذ ناقش المؤتمر عدداً من الموضوعات تتعلق بالسياسات الحكومية لمواجهة جائحة (كوفيد-  19)، امن الشرق الاوسط في المنظور العالمي، حل الصراعات في الشرق الاوسط، الدبلوماسية والامن الاقليمي.

إن الموضوعات اعلاه لها اهميتها، اذ تشغل اهتمامات الحكومات ومراكز الابحاث والدراسات الامنية والسياسية، ذلك فان الحضور والمشاركة في المنتديات والمؤتمرات، التي تعنى بالتخطيط والسياسات الخارجية يعدان مسألتين مهمتين واساسيتين لتوضيح الرؤى والتصورات وبيان موقف الحكومات وسياساتها الخارجية ازاء البيئيتين الاقليمية والدولية.
من هذا المنطلق جاءت مشاركة العراق في المؤتمر بوفد ترأسه السيد وزير الخارجية د. فؤاد حسين، وهي مشاركة نوعية ومهمة، فهي المرة الاولى منذ عدة سنوات يٌطلب فيها ان يكون الحضور العراقي ليس للمشاركة فحسب، وانما القاء كلمة عن تطلعات الحكومة العراقية في ظل التحديات الراهنة والرؤية العراقية للسياسات الاقليمية والدولية وانعكاساتها على الداخل العراقي.
كان مهماً ان يحضر العراق ليبين للمجتمع الدولي مخاطر التحديات الامنية والسياسية والاقتصادية، واهمية ان تكون هناك سياسة عالمية موحدة لمواجهة تلك المخاطر وتجنيب المنطقة المزيد من التوتر والصراعات.
لذلك حرص وزير الخارجية في كلمته على ان يوضح طبيعة السياسة الخارجية العراقية في المرحلة الحالية، وموقف العراق من الصراعات الاقليمية والتوترات بين بعض القوى الاقليمية والدولية، وانعكاس هذه التوترات على الساحة الداخلية العراقية وعلى الاوضاع الامنية في الشرق الاوسط والعالم بشكل عام.
فبعد الانتصار على الارهاب الداعشي والانجازات التي تحققت على يد القوات الامنية العراقية بصنوفها وتشكيلاتها كافة، وبمساندة المجتمع الدولي، لا يمكن ان نسمح بعودة الارهاب مجدداً واستغلاله للتوترات الاقليمية لإعادة انتاج نفسه، لاسيما ان هناك عدة مناطق اقليمية ما زالت رخوة ومناطق اخرى لم ينته الصراع فيها استغلتها العصابات الارهابية طيلة السنوات الماضية، وهي تحتاج الى جهود أمنية عالمية مشتركة وقرار موحد لتثبيت الاستقرار الامني فيها، واعادة مواطنيها اليها في ظل حركة النزوح والهجرة العالمية، والتي أثرت في العديد من دول العالم، فلم يكن تداعيات عدم الاستقرار والصراعات والحروب محصوراً بالدول التي نشأت فيها، اذ امتدت آثار الصراع الى مناطق اوسع وتنقل الارهاب الى دول كانت تعد نفسها بمنأى عن تأثيرات الحروب التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط، فما حدث في بعض دول العالم من عمليات تفجير وقتل ما هو الا ارتداد لحالات الصراع في المنطقة واستمرار تنامي قوة الجماعات الارهابية المتطرفة.
كانت كلمة العراق واضحة وصريحة في المؤتمر انطلقت من التركيز على التوازن في بناء العلاقات الدولية توازناً ستراتيجياً وليس مرحلياً، مع مختلف الدول والقوى الاقليمية والدولية بغض النظر عن تقاطعات تلك الدول مع بعضها، فالمساحة التي تتحرك فيها السياسة الخارجية العراقية تقوم على مبدأ بناء اوسع قاعدة للمصالح المشتركة وجذب الاطراف كافة الى حوار المصلحة الاقتصادية والامنية والسياسية، والابتعاد عن التجاذبات والمناكفات والتوترات او الصراعات والحروب.
اذ أشار الوزير العراقي في هذا الصدد الى ان الأمنُ يعد مُرتكَزاً أساسيّاً في تحقيق الاستقرار، وإذا كانت مسؤولية الدولة تنطلق من قدراتها وإمكانياتها الاقتصادية والعسكرية وغيرها على المحافظة على أمنها ضد ما تواجهه من تحديات داخلية وخارجية، فإنَّ المحافظة على الأمن الإقليمي والدولي، وسلامة الدول وأمان شُعوبها يتطلَّب جُهُوداً جماعيَّةً كبيرةً تتشارَكُ فيها الدولُ، وتتحمَّلُ فيها مسؤوليَّاتِها والتزاماتِها في تحقيقِ الأمنِ، وصونِ مُتطلَّباتِهِ؛ للوُصُولِ إلى عالمٍ آمنٍ تنعمُ أجيالُهُ بأجواءِ التعايشِ السلميِّ والاستقرارِ الدائم.
فالصراعاتُ، والنزاعاتُ التي شَهِدَتْها هذه المِنطقةُ على مدى العُقُودِ الماضيةِ ولا تزال مع غيابِ آليَّاتِ حلِّ النزاعاتِ مُقارَنةً بمناطقَ جغرافيَّةٍ أخرى في العالم جَعَلَها من أكثرِ مناطقِ العالمِ توتُّراً وتأزُّماً، وخلَّفت أوضاعاً من عدمِ الاستقرارِ ترسَّخت آثارُها؛ لذا تبرز أهمية حل الصراعات المستمرة في المنطقة كأولويَّة أساسيَّة لإحلال الأمن وفرض الاستقرار، ويأتي في مُقدمتها إيجاد حل دائم وشامل للقضية الفلسطينية مبني على حق تقريِر المصير للشعب الفلسطيني على وفق إرادته، ورؤية قيادته. فالشعب الفلسطيني هو صاحب القضية وصاحب الاختيار. 
وينطبق الحال كذلك على الصراعات الحاصلة في سورية وليبيا واليمن التي هي بحاجة أكثر من أيِّ وقتٍ مضى للحلول السياسيَّةِ القائمة على لغة الحوار، والتفاهم، وتغليب المصلحة الوطنية، وعدم المضي بالحلول العسكرية التي فاقمت من تدهورِ الأوضاعِ الإنسانيَّةِ في تلك الدول، وساهمت في تدمير البنى التحتية، وأوقفَت عجلة التنمية الاقتصادية، علاوة على ذلكَ المآسي الإنسانية، وسقوط المدنيين الأبرياء جراء استمرار العمليات القتالية، ومن ثم زعزعة الاستقرار، وانعدام الأمن فيها، مما ألقى بأعبائه الثقيلة على مجمل أوضاع الاستقرار في الشرق الأوسط.
كان المؤتمر مناسبة مهمة لبيان الواقع في العراق ايضا وتطلعات الحكومة العراقية للمرحلة القادمة وتحركاتها بهذا الصدد ومنها اجراءات الانتخابات النيابية المبكرة في اواسط العام القادم، فضلا اعتماد سياسة التوزان بما ينسجم مع مصالح العراق ورؤيته لبناء علاقات دولية مع جميع دول العالم، انطلاقاً من المصالح المشتركة والمتبادلة وليس مصلحة طرف على حساب الطرف الاخر، اذ اشار السيد الوزير بهذا الخصوص الى أن الحكومة العراقيةَ عازمة على الاضطلاع بمسؤولياتها، والالتزام بمهامها بفرض هيبة الدولة وسلطة القانون، واستكمال متطلبات إجراء انتخابات حرة ونزيهة في العام المقبل، والإسراع بعودة النازحين إلى مناطقهم التي هجروا منها، والاستجابة للمطالب الشعبية التي عبرت عنها التظاهرات، وتجنيب العراق أن يكون ساحة للصراعات أو مُنطلقاً للاعتداء على دول الجوار. وفي هذا الإطارِ قرر العراق اتخاذ المبادرة أساساً للتحرك الدولي، ضمن إطار انفتاح العراق على دول العالم، وبناء علاقات متوازنة مع دول الجوار والدول الأخرى، تقوم على الاحترام المتبادل والمصالحِ المشتركة، وتعزيز سبل التعاون والتفاهم، التي تسهم في دعم العراق سياسياً واقتصادياً وأمنياً في ظل سيادته وقراره الوطني.
المتابع للمؤتمر يلاحظ ان الرؤية العراقية كانت تتميز بالوضوح والصراحة، فحين يتحدث رئيس الجهاز الدبلوماسي العراقي عن السيادة الوطنية والقرار الوطني، يشخص عمق المسألة والتحدي العراقي، ان تبني قرار وطني خالص يعني انك امتلكت زمام المبادرة في الدفاع عن مصالحك الوطنية، ان القوى الاقليمية والدولية، لا بد ان تعي انه ليس من المصلحة جعل العراق ساحة لتصفية حسابات او بؤرة توتر، إذ عمل العراق ومن خلال التواجد في المؤتمر على ايصال رسالة للجميع بأن سلمية مجتمعه وهدوء ساحته الداخلية، يمثل عمقا ستراتيجيا مهما للدول المجاورة والاقليمية، التي يهمها بناء علاقات شراكة ستراتيجية مع العراق، فالأمن الداخلي يؤدي الى امن واستقرار اقليمي والعكس صحيح. 
لذلك استثمر السيد وزير الخارجية حضوره الى المؤتمر بعقد سلسلة من اللقاءات امتازت بالكم والنوع، من خلال نوعية الشخصيات التي التقاها وحرص على ان يأخذ فيها زمام الحديث والمبادرة في طرح رؤية العراق وسياسته ومنطلقاته للتعاطي مع الشأن الاقليمي والدولي طروحات شدد فيها على ان الامن المشترك والمصالح المتبادلة على قاعدة متكافئة من الفرص والندية في التعاطي بين الدول هي اساس تحقيق الاستقرار وبناء الاقتصادات وتماسك الانظمة وتحقيق رفاهية المجتمعات، فلا توجد مصلحة لأي دولة في ابقاء الصراعات في منطقة الشرق الاوسط مفتوحة النهايات ولا يعرف ماهي الخطط والاهداف المستقبلية من بقاء تلك الصراعات قائمة وممتدة، وتوفر ارض خصبة للإرهاب وللعصابات الارهابية المتطرفة.