المسيحيون يحيون اعياد الميلاد في الموصل القديمة

ريبورتاج 2020/12/26
...

الموصل: شروق ماهر
بعد أكثر من ستة أعوام، يعاد مجدداً قرع او دق اجراس الكنائس داخل مدينة الموصل القديمة، بعد أن غادرتها مئات الاسر المسيحية على خلفية تهديدات عصابات داعش الارهابية، بعد دخولها الموصل وسيطرتها على المحافظة في العاشر من حزيران من عام 2014 ، اذ قامت باخلاء المدينة القديمة من المسيحيين، الذين خرجوا باتجاه سهل نينوى، اذ اجبرت عصابات (داعش) الاسر المسيحية على الهجرة والنزوح الاجباري، او البقاء في مدينتهم بشرط اعلان اسلامهم، ما دفع المسيحيون الى الخروج والنزوح باتجاه اقليم كردستان والعاصمة بغداد.
ام المعونة
اعاد مسيحيو مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن البلاد احياء احتفالاتهم، ولأول مرة منذ خروج عصابات داعش من  الموصل القديمة، بعد اعادة اعمار بعض الكنائس داخل المدينة القديمة، وعودة العشرات من المسيحيين السكان الاصليين الى مناطقهم، بعد أن اعيد اعمار اجزاء كبيرة من مناطقهم، اذ عادت الحياة مجدداً الى المدينة القديمة التي تمكث فيها اغلب الاسر المسيحية التي عادت مؤخراً بعد سنين من التهجير، وأقيم قداس في كنيسة (ام المعونة) اقدم كنائس الموصل في المدينة القديمة، اذ اقيم احتفال بالعيد، وأطلق المحتفلون الزغاريد، فرحاً بمعاودة ممارسة طقوسهم التي منعتها داعش، منذ عدة اعوام، وأكد المحتفلون التزامهم بالبقاء في مدينتهم وعزمهم على إعادة بنائها مع باقي العراقيين من كل الاديان.
 
حرمان
وشارك العديد من السكان المسيحيين بالاحتفالات في كنائس المدينة القديمة، ولأول مرة بعد تحرير الموصل من قبضة داعش على مدار الاربعة اعوام الماضية، بعد عودة العشرات من الاسر النازحة الى المدينة القديمة، اذ قال الشاب آرام عدي( ٣٣ عاماً) خلال مشاركته القداس في كنيسة ام المعونة، بان "اسرته عادت بعد نزوح دام خمسة اعوام، مطلع الشهر الماضي إلى الموصل من إقليم كردستان الذي يبعد عشرات الكيلومترات، إثر لجوئهم إلى هناك هرباً من عصابات
داعش".
وأكد عدي أن" احتفال اليوم يعد مؤشراً على عودة الحياة والفرح إلى الموصل القديمة مجددا، ومن خلال هذا القداس نرسل رسالة سلام ومحبة، لأن المسيح يعني السلام ولا حياة من دون 
سلام".
 
مشاركة
من جهته، أكد القس متي يعقوب من الطائفة الكلدانية أن "تواجدنا اليوم بين اخواننا المسلمين الذين جاؤوا وشاركونا طقوس اعياد الميلاد، يعد فرحا وعرسا جديدا وتلاحماً، بعيدا عن تطرف الارهاب الذي زرع فتيل الحقد بين المكونات والطوائف، وان الموصل القديمة تعني لنا اشياء كثيرة، وان عودتنا اليوم اليها واقامة القداس في كنائسها يعد تحديا، لكل عمل ارهابي جبان طال رجال الدين المسيحيين وحتى رجال الدين المسلمين".
واضاف يعقوب ان " اعادة قرع اجراس الكنائس في مدينة الموصل القديمة اججت مشاعرنا وجعلتنا نذرف الدموع وهي بالحقيقة دموع الفرح، وعكس الدموع التي كنا نذرفها ونحن في مناطق التهجير شوقاً، لمناطقنا وكنائسنا القديمة هنا في داخل الموصل 
القديمة".
 
1000 أسرة
بينما يرى البابا يوحنا شمساني أن "المسيحيين النازحين داخل العراق أو اللاجئين خارجه يجب أن يعودوا بسرعة، من أجل القيام بدورهم الفاعل في إعادة الإعمار".
مبيناً "ان هناك اكثر من الف اسرة مسيحية عادت الى ارض نينوى وسهل نينوى بعد تهجير قسري دفعهم للنزوح  لمدة لا تقل عن اربعة اعوام، وهناك اكثر من 500 اسرة مسيحية عادت إلى ايمن الموصل القديمة وايسرها ايضا، وستتبعها اسر أخرى في الطريق الى العودة بعد استتباب الامن والامان داخل الموصل".
 
كنائس مدمرة
وقال المطران صباح لوقا من كنيسة (الساعة) داخل الموصل القديمة التي مازالت تشهد نسبة كبيرة من الدمار بسبب عصابات داعش الارهابية ان "اليوم هو يوم سعيد بأن نسمع قرع أجراس كنيسة الساعة التي أقيم فيها القداس بعد زمن بعيد، يذكرنا بأيام الموصل الجميلة، أيام المحبة والألفة بين المسيحيين والمسلمين".
 
وحدة
وعن وجود ومشاركة رجال الدين المسلمين باحتفالات المسيحيين في الموصل القديمة، اكد لوقا أن "هذا العيد يعد الاجمل في مدينتنا الجميلة، رغم الدمار الذي سببته عصابات داعش لها، اذ ان تواجد رجال الدين المسلمين معنا اليوم ومشاركتهم لنا بالأعياد، يعد تحدياً لكل ارهابي جبان حاول أن يضع التفرقة ويزرع العنصرية بين المسلمين والمسيحيين الذين عاشوا هنا منذ آلاف الاعوام تحت سقف ووطن واحد".
وتبين السيدة ام جوزيف (50 عاما) التي عادت مؤخرا إلى منطقة الساعة في البلدة القديمة بالموصل بعد نزوح دام لأكثر من ست سنوات "هذه المرة شاركت في قداس أقيم للمرة الأولى منذ سنوات في الشطر الأيمن من مدينة الموصل، بعد انقطاع تجاوز السبع سنوات، اذ احتفلت مئات الاسر المسيحية العائدة إلى مدينة الموصل بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، وعمت مظاهر الفرح والبهجة معظم مناطق الساحل الأيمن في الموصل وسهل نينوى بتلك المناسبة، اذ شهدت كنائس الساحل الأيمن إقامة أول قداس شارك فيه المسلمون أيضا".
اذ غادر الآلاف من المسيحيين مدينة الموصل ومناطق سهل نينوى ذات الغالبية المسيحية، بسبب التهديدات وعمليات القتل والخطف والسلب، إلى مدن إقليم كردستان أو إلى خارج العراق، بينما اعلنت الحكومة المحلية في محافظة نينوى مؤخرا عن عودة اكثر من (1000) اسرة مسيحية نازحة قبل سبع سنوات من مناطق الساحل الأيمن، فضلا عن عودة 700 اسرة، نزحت إثر سيطرة "داعش" على مناطق قصر المطران و الدواسة والجوسق والباب الجديد والرفاعي والنجار والساعة في البلدة القديمة.
 
ولادة جديدة
 ويرى القس نادر ابريشا، خلال مشاركته باحتفالات القداس، الذي يقام لأول مرة في كنيسة "الميدان" اقدم الكنائس المسيحية في الموصل القديمة، أن"روح التفاؤل تظهر بأن الاوقات السوداء، قد اصبحت وراء ظهورنا، وان بهجة أعياد الميلاد واضحة من خلال معالم الزينة في كنائس الموصل القديمة وحتى ايسر الموصل، وكنائس المناطق في سهل نينوى، حتى أنها أصبحت أكثر مما كانت عليه قبل ظهور داعش، وان أعياد الميلاد هذه ستكون ولادة جديدة مفعمة بالسلم والامان، وستكون نقطة لبداية جديدة وعنصر قوة للمجتمع". بينما يرى القس ايشو عمانوئيل انه "بالرغم من سنوات  العنف والارهاب، الا ان الحياة في مناطق شمالي العراق في الموصل وسهل نينوى والحمدانية، بدأت تعود تدريجياً لوضعها الطبيعي، وان كثيراً من الاسر التي عادت مؤخراً للمدينة، فضلوا قضاء عطلهم مع أقاربهم واصدقائهم الذين بقوا في قراهم".
 
تنصيب
من جانب آخر يستعد المسيحيون في الموصل القديمة للاحتفال بتنصيب مطران جديد لها، والذي من المقرر أن يكون في الاسبوع المقبل، اذ سيتم اختيار مطران جديد وذلك بعد مرور 25 عاماً على منصب ابرشية الموصل،   للمساهمة بالجانب الثقافي وتعزيز إرث التاريخ المسيحي بوجه حملة عصابات داعش التدميرية.
ويضيف عمانوئيل "إن من بين الأولويات التي سيتولاها في المستقبل القريب هي الاستعدادات لعمليات إعادة الاعمار في المنطقة، بدءاً من الكنائس المتضررة والتي هناك الكثير منها من دون سقف يحميها من الأمطار، ومن دون أسيجة وأبواب، لمنع الآخرين من رمي النفايات فيها، وكذلك تعزيز العلاقات وتقويتها مع السلطات المحلية والزعماء الدينيين وممثلي الجماعات العرقية ومؤسسات المجتمع
المدني".