مضى اكثر من (20) عاماً على التوجه للتقديم الى للدراسات الاكاديمية والذي كاد أن يطيح بالتعليم المهني (في وقتها) بالضربة القاضية، اذ انحسر التقديم اليه،ولم تنفع كل الدعايات التي استخدمت لجذب الطلبة للانخراط به، لكن التطورات (الدراماتيكية) التي حدثت بعد (2003)، انعشت آماله، واصبح البعض (يتوسط) للقبول في التعليم المهني، وازداد اعداد الطلبة الى الحد الذي صارت توازي اعداد التعليم الاكاديمي، فماالذي حدث؟ وهل سيزحف عليه لينافسه في القبول؟، وهل هناك تغيرات طرأت على تصورات الطلبة لها علاقة بسوق العمل؟، تساؤلات تحتاج الى اجوبة حقيقية.
طفرة نوعية

المدير العام للتعليم المهني في وزارة التربية الاستاذ محمود عبد الحسن المالكي استقبلنا بحرارة، وكان حريصاً معنا وزودنا بادق المعلومات اذ قال: "شهد التعليم المهني في السنوات الاخيرة طفرة نوعية من حيث الارتقاء به وتعدد فروعه واقسامه، وتمثلت ايضا بتطوير المناهج بنحو علمي ومدروس، وتطوير القدرات التدريسية من خلال اقامة الدورات التخصصية، ما انعكس بالايجاب على مخرجات (الطلاب)، اذ شهد العام الدراسي الحالي 2020 / 2021 قفزة كبيرة من حيث الاقبال على التسجيل في المدارس المهنية، قاطعته، كيف تثبت ذلك؟، بالامكان أن اعطيك مثالاً عن هذا التطور، وانا مسرور بهذه الاجابة : "اذ بلغ عدد الطلبة المقبولين في الاعداديات المهنية التابعة للقسم المهني /الكرخ الثانية مايقارب (4000) طالب، اي بزيادة وصلت الى 5 اضعاف عن السنوات السابقة تقريباً،ما دفع بالمديرية العامة للتعليم المهني الى بذل جهود استثنائية تمثلت بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي لرفع نسبة القبول للطلبة الاوائل  الى 15 % من مجموع الطلبة لكل قسم ضمن تخصصات التعليم المهني للقبول في الكليات الهندسية، بعد ان كانت لاتتجاوز  5 % سابقا، وكذلك المضي في فتح اقسام جديدة بالتزامن مع احتياجات سوق العمل". مضيفاً "الى جانب تطبيقنا لستراتيجية التعليم المهني والتقني TVT وتطبيق معايير الجودة في المدارس المهنية، وكذلك لكل اعدادية مهنية رؤية خاصة بها وخطة طويلة الامد يتم تنفيذها على مراحل".

مؤكداً "ان التعليم المهني يندرج ضمن اتفاقية ستراتيجية التعليم المهني والتدريب التقني ،TVT) )التي تأتي بالشراكة مع وزارات التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية".

 

فرع الحاسوب

وفاجأنا المهندس شهاب احمد كاظم مدير اعدادية العامل للحاسبات وتقنية المعلومات الذي مضت على خدمته بالادارة (8) سنوات بأن "إعداديته التابعة للكرخ الثانية  تعد الاعدادية الوحيدة التي تختص بفرع الحاسوب وتقنية المعلومات على مستوى العراق، وتضم اقسام تجميع وصيانة الحاسوب، وشبكات الحاسوب، الهاتف والحاسوب المحمول، وحصلت على المراتب الاولى من حيث عدد الطلاب (580 طالبا)، وكذلك الطلبة الاوائل ونسب النجاح، كما ان لديها ملاكات هندسية متمكنة من اختصاصاتها الى جانب وجود مختبرات علمية للتدريس العملي بواقع 14 مختبرا انموذجيا، وكلها محفزات لتوجه الطلبة للتعليم المهني".

منوهاً بأن "خريج المهني يملك الخبرة العملية والفنية الكافية التي تؤهله للانخراط في سوق العمل، الى جانب المعرفة الكافية للتعليم الجامعي".

 

فروع جديدة

و بين المهندس علي زيدان السوداني مدير قسم التعليم المهني في الكرخ الثانية "انه ونتيجة للاقبال الواسع على التعليم المهني، تم استحداث فروع جديدة وبحسب حاجة السوق المحلية والتطور الحاصل، مثل القسم الزراعي في الكرخ الثانية، والبتروكيميائي في محافظة كربلاء المقدسة".

وكشف السوداني عن اسباب ظاهرة التوجه للتعليم المهني في الوقت الحاضر قائلاً: " تولدت لدى الطالب وولي الامر على حد سواء القناعة التامة بجودة المهني، وكذلك فرص القبول في الجامعات الحكومية، تكون اكثر وبمعدل اقل مقارنة بالتعليم الاكاديمي، فضلا عن الطفرة النوعية التي شهدها التعليم المهني خلال السنوات الاخيرة".

اما بشأن المناهج فقال: "قد تم تأليفها حديثا بواسطة لجان تخصصية مشتركة مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لكننا نحتاج الى المستلزمات الدراسية الحديثة لتواكب هذه المناهج التطور الحاصل بالعالم".

وبودي والكلام للسوداني "أن نولي التعليم المهني اهتماما اكبر من اصحاب القرار، سواء بالوزارة او مجلس الوزراء، وفصل التعليم المهني عن مديريات التربية لما له من خصوصية وتوفير التخصيصات الكافية من مواد تمارين واجهزة وغيرها، وجعل التعليم المهني مديرية ذات شأن اتحادي كما كان بالسابق".

 

ابتكارات

واعود للمهندس شهاب احمد كاظم بالنسبة للكرخ الثانية الذي اكد لي "ان المهني يحفل بالعديد من الانجازات فقد استطاعت اعداديتنا (يقصد بها اعدادية العامل) انتاج جهاز كاشف للغش الالكتروني (المرصاد) منذ سنوات (جهاز خاص بالتعليم المهني وليس الجهاز المستخدم لدى وزارة التربية) وحقق نجاحا 

منقطع النظير في المراكز الامتحانية من خلال الكشف المبكر عن 

اجهزة الغش الالكتروني، ما حدا بمديريات التربية وبعض الكليات للطلب منا انتاج اجهزة خاصة بهم".

وابدى شهاب اسفه الشديد"على الرغم من الخبرة التي نملكها، لكننا غير محظوظين بالتعاقد مع دوائر الدولة او القطاع الخاص، وكما تعرفون ان معظم شركات الدولة والقطاع الخاص قد اغلقت ابوابها بسبب المستورد".

واردف قائلا: "لو (فعل) قانون الاستثمار، اكيد سيكون هناك مردود مادي للجميع (المدرس والطالب) ومؤسسة التعليم 

المهني".

 

أسهل طريق للهندسة

لم يتردد مدير اعدادية (ام الطبول) المهنية الاستاذ محمد الشمري، الذي تتميز اعداديته باكثر من تخصص، منها فرع مختص بالزراعة وآخر مختص بالصناعة، من بيان اسباب تضاعف اعداد المتقدمين للفرع المهني، اذ 

اكتشف الطلبة و(الكلام للشمري) "ان الطريق للكليات الهندسة 

اسهل مقارنة بالفرع الاكاديمي، فبامكان الحاصل على  معدل (89)،او(90) في الفرع الصناعي أن يلتحق بكلية الهندسة، فضلا عن سهولة الدراسة، في حين يتطلب من الطالب الاكاديمي تدريسا خصوصيا وتعبا لاحدود له ومزيدا من القلق، وقد لايستطيع أن يحصل على التسعين،  ليلتحق بكلية الهندسة أو غيرها من الكليات الجيدة".

وبين لنا بوضوح "ان طالب التعليم المهني يتخصص بدراسته منذ البداية،فطريقه غير معقد ويمتاز بالوضوح، وبمجرد تخرجه من الاعدادية بامكانه الحصول على فرصة عمل في اختصاصه حتى لو لم يلتحق بكلية معينة، كما ان مساحة المدارس المهنية واسعة وبامكان الطلبة ممارسة النشاطات الرياضية والفنية اكثر من الاعداديات العلمية والادبية، والتي غالبا ما تكون بناياتها مزدوجة، واقول لك حقيقة علمية، ان التعليم الاكاديمي يعتمد على تطوير المهارات الذهنية للطالب اكثر من المهارات الفردية (ينشط الذهنية وليس الحركة)، بينما التعليم المهني ينشط  كلاهما (الذهنية والحركية) في آن واحد، لذلك تضاعفت الاعداد الزاحفة للتعليم المهني، واتوقع أن تحدث هجرة واسعة من الاكاديمي الى المهني".

 

تعلم صنعة

لملمت اوراقي وذهبت لقاعات الدرس، لالتقي الطلبة، ووجدت هناك اقبالا على الحديث معي، فاحدهم رفع يده وهو عبد الله فراس الطالب في الصف الثاني  بقسم  التجميع ليقول لي بكل صراحة، "التحقت بالمهني، لاسيما اعدادية العامل للحاسوب، لاتعلم صنعة بدلا من التفكير بوظيفة الدولة التي لايفكر بها سوى الكسالى، في حين اقسم زميلاه (مخلد محسن وعبد الله سلام) "بان الانسان يستطيع أن يلتحق باي عمل شريف  يلبي حاجة المجتمع ليرتزق منه، بينما يرى عبدالله ان الجانب العملي يرفع من نسبة الابداع، لذلك فان التعليم المهني يحتل الجزء الكبير من هذا الجانب على النقيض من التعليم الاكاديمي فاغلبه يعتمد على المعلومات النظرية".

ويرى الاستاذ بشار سامي رئيس قسم الهواتف والحواسيب المحمولة في اعدادية العامل للحاسبات وتقنية المعلومات "ان طلبة المهني يتميزون عن طلبة الاكاديمي بانهم ينخرطون بسرعة في سوق العمل" لانهم اختاروا التخصص منذ البداية، فبامكان طالب المهني الالتحاق بالكليات بطريقة اسهل من الطالب الاكاديمي سواء كان من الفرع العلمي أو الادبي، لسهولة دراسته وهو(ضامن) نجاحه من دون مدرسين خصوصيين، لذا نصيحتي للطلبة هي الالتحاق بالمهني".

 

حقائق مذهلة

من خلال جولاتي في الاعداديات المهنية، لابد لي أن 

اوضح حقائق مذهلة عن التعليم المهني (بفروعه كافة) الذي لو زود بالامكانات الفنية وتجديد المعامل 

والاجهزة المستخدمة في الدروس العملية للطلبة، وحدثنا المختبرات في مدارسه، لكنا نعد ملاكات وسطية مبدعة يمكن استخدامها في معاملنا الصناعية والزراعية، وللحقيقة، فان العقل العراقي 

العملي يمكنه صنع المعجزات، لذلك اطلب وبشدة من وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، 

أن تدعما التعليم المهني بكل امكاناتهما العلمية والمادية لتطويره، واني اجزم اننا ننتج علماء بهيئة عمال.