د. فاضل البدراني
في العلاقات الدولية غالبا ما يتخادم الإعلام والسياسة بنسق واحد ودعم بروتوكول تعاون، تقف خلفه جهود حكومية لدولة أو دولتين أو أكثر، وأحيانا تعمد هذه الجهات من خلال الإعلام الرسمي أو عبر الية تمرير المعلومات الى كبريات المؤسسات الإعلامية المؤثرة في صناعة الرأي العام، لصناعة التقارير والأخبار الداعمة لرسم مسار معبد، يفضي لعلاقات دولية إيجابية
ذلك الفعل الذي لمسناه في طبيعة العلاقات العراقية التركية في الآونة الأخيرة، ذلك يقودنا لتساؤل بخصوص النتائج المتحققة.
وتأسيسا على ذلك فقد نشطت وسائل الاعلام في كل من العراق وتركيا مؤخرا للتهيئة لخلق مناخ سياسي يخدم توجهات حكومتي البلدين نحو تطوير قضايا الشراكة الثنائية، في ضوء تشابك وتداخل الملفات المختلفة بين بغداد وانقرة، هناك جملة ملفات ثقيلة جدا حملها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في حقيبة ثقيلة أثناء زيارته لتركيا في الأيام الماضية، عكست جسامة الموضوعات التي خضعت للنقاش مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع توافر مؤشرات عن رغبة مشتركة بين الجانبين، فالزيارة التي جاءت بتوجيه أنقرة دعوة رسمية للكاظمي في تشرين الأول 2020، جاءت متزامنة مع جهود دبلوماسية
دولية لترطيب الأجواء بين تركيا من جهة والسعودية والامارات من جهة أخرى، وأثناء مناقشة الملفات المهمة الشائكة، وجه رجل الدين الصوفي بالتوجه الديني الرئيس أردوغان الى كسر الحواجز التقليدية واقامة وليمة عشاء على شرف الضيف العراقي في قصره الرئاسي، على مائدة من الكباب العراقي والدولمة التركية في رسالة، أراد من خلالها أن يمازج بين نكهة المطبخ العراقي التركي الطيبة، مع نكهة المطبخ السياسي في البلدين وتذوب الجليد لعديد الملفات الجامدة منذ وقت طويل، وكشف ذلك للرأي العام اعلاميا، وعلى وقع النقاش الهادئ بين الوفدين، صدحت حناجر المطربين بأغانٍ تراثية عراقية عذبة في محاولة لترطيب الأجواء، وفتح شهية النقاش وتنفيذ بروتوكول الزيارة على مائدة الطعام الزاكي، والإصغاء لأغنية " يا أم العيون السود" هنيئا لأم العيون السود إن كانت حاضرة حفل العشاء الرئاسي.
وبالعودة لمضمون الزيارة، فهي بالأصل جاءت بدعوة تركية للبحث عن فرص عمل استثمارية للشركات التركية بالعراق، فتركيا لا تريد أن تغيب عن السوق العراقية، لكن برأينا أن الفاعل الرئيس الذي حفزها لتحقيق هذه الزيارة التي تأخرت كثيرا إذا ما قورنت بحجم المكاسب من التقارب، هو التوجه السعودي للاستثمار بالعراق.
والذي يعكس أهمية السوق العراقية لدى تركيا التي تسمى بـ"الدولة الاجتماعية" على خلفية توجهاتها التنموية وحجم الملفات الثقيلة والشائكة، التي تصل الى ثمانية ملفات تتعلق، بالأمن والاقتصاد والاستثمار والطاقة والمياه والربط السككي، والتأشيرة والأموال
المجمدة.
لكن تبقى ثلاث عقد رئيسة تتحكم في مسار علاقات بغداد بأنقرة على مدى سنوات مضت وحتى اللحظة، هي الأمن والمياه والاقتصاد. ومن بين ذلك كله نختزل أهمية قصوى للزيارة ضاغطة على البلدين، كونهما يواجهان أزمات اقتصادية جمة، وهبوط للعملة المحلية في البلدين، وكذلك ازمة حزب العمال الكردستاني الذي يحرج ويؤذي العاصمتين العراقية والتركية، ذلك كله يدفع الأخيرة لتنشيط وزيادة التبادل التجاري البالغ حاليا خمسة عشر مليار دولار في معظمه منتجات تركية يتم تصريفها بالسوق العراقية الكبيرة.
وبالنسبة لبغداد تتخوف من موضوع الحصص المائية التي تتحكم بها تركيا، لذلك تحاول أن تكرر طلباتها بفم دبلوماسي، فضلا عن البحث لفرص تبادل تجاري تخفف عنها الازمة المالية. وفي كل الحالات، الزيارة مهمة ونتطلع لأن تفضي لنتائج تساعد في معافاة الاقتصاد العراقي شبه المنهار، لكننا سننتظر إن كان الكلام سيتحول الى فعل ملموس، أم يبقى حبرا
على ورق؟