بايدن وهفوات اوباما

آراء 2020/12/29
...

 كون كوغلان/صحيفة «ديلي تلغراف»
 ترجمة وإعداد: أنيس الصفار
 
 
 
 
الآن، بعد ان أقرّ جو بايدن الرئيس 46 للولايات المتحدة رسمياً، بات بوسعه ان يباشر العمل بجد لتحقيق أحد أهداف سياسته الأساسية وهو اعادة بناء العلاقات مع حلفاء واشنطن المهمين، الذين يشعر كثير منهم أنه قد ناله الأذى والضرر جراء المواجهات مع ادارة ترامب. يصدق هذا بشكل خاص على الأوروبيين، لأن نهج ترامب التصادمي حول شؤون مثل عزوف العديد من القادة الأوروبيين عن تحمل نصيبهم من نفقات الدفاع عن التحالف الغربي وحسهم الحمائي تجاه تجارتهم تسبب في وقوع احتكاكات بينهم وبينه عبر
 الأطلسي.
لهذا السبب ستستقبل عواصم أوروبية عديدة وصول بايدن المنتظر الى المكتب البيضاوي بارتياح شديد، توقعاً منها بأن دورة رئاسته سوف تكون بشرى بعودة الدفء الى الاتفاقات القديمة، التي قامت عليها تعاملاتهم مع البيت الأبيض خلال سنوات حكم باراك أوباما الثمان.
في مختلف انحاء العالم ستنتعش آمال الزعماء السياسيين بأن يكون بايدن قادراً على استعادة دور أميركا عالمياً في شؤون شتى تمتد من الصين الى إيران ومن روسيا الى كوريا الشمالية، مع إقامة حوار بناء أفضل مع الحلفاء.عبّر بايدن لبعض مقربيه عن عزمه على جعل هذا المسار وجهة رحلته، كما أعلن رغبته في تجديد روح العالم الجديد وهدفه المشترك من خلال ايجاد تحالف من الانظمة الديمقراطية بقيادة الولايات المتحدة يتصدى للانظمة المستبدة. منظور واشنطن، لتبني نهج اكثر شمولاً في معالجة التحديات في انحاء العالم انعكس على التعيينات الأولية للإدارة
 المقبلة. 
أولاً هناك «أنتوني بلنكن» وزير الخارجية الجديد الذي سبق أن عمل في إدارة أوباما ويصف نفسه بأنه من مؤيدي مبدأ «الأطراف المتعددة» مع الحرص على توثيق العلاقات عبر الأطلسي. يعتقد بلنكن أيضاً أن العالم سيكون اكثر أمناً للشعب الأميركي عندما تكون أميركا محاطة بالأصدقاء والشركاء 
والحلفاء. 
بعده هناك مستشار الأمن القومي «جيك سوليفان» وهو عضو مخضرم من عهد أوباما كان له دور في إنجاح الصفقة النووية مع إيران، ولديه الآن رغبة في 
إحيائها. 
هنالك ايضاً الجنرال «لويد أوستن» المسمى لوزارة الدفاع والذي كان مسؤولاً عن تنفيذ انسحاب القوات الأميركية من العراق في عهد أوباما. 
تعيين كل هذا العدد من سياسيي عهد أوباما في الادارة الجديدة يضفي مصداقية مؤكدة على وجهة النظر، التي تزعم أن بايدن ينوي تبني نهج مماثل لنهج سلفه الديمقراطي، بيد أن المشكلة هنا تكمن في ان العالم قد شهد تغيرات عظيمة على مدى السنوات الأربع، منذ أن غادر أوباما منصبه، والسذاجة التي اتسم بها نهج الرئيس السابق في التعامل مع خصوم واشنطن لم يعد بالامكان الاستمرار بها الآن.خذ الصين مثلاً، فرغم اقرار أوباما بأن بكين تمثل اعظم تحد لهيمنة أميركا، واعتباره المحيط الهادئ نقطة ارتكاز للسياسة الأميركية، عاد فانحنى امام الحكام الصينيين الشيوعيين ظناً منه أن ذلك ربما سيحثهم على تغيير اساليبهم.
بدلاً من ذلك ها نحن نرى الصين بعد اربع سنوات تواجه اتهامات بإلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي من خلال اخفاء دورها في الانتشار الأولي لفيروس كورونا وممارستها الضغوط على أقلية الإيغور وتصفيتها لآخر ما تبقى من الحكومة الديمقراطية في هونغ كونغ.
روسيا قضية خاسرة هي الأخرى على قدر تعلق الأمر بإدارة بايدن ما دام نظامها الحاكم مستمراً على نهجه، محاولات أوباما لتحسين العلاقات مع موسكو انتهت بتمكين الأخيرة من ضم شبه جزيرة القرم اليها، اضافة الى تورط الجيش الروسي في الحرب السورية وكل ما ترتب على ذلك من 
تبعات.بعد ذلك لدينا صفقة إيران التي لا يزال اوباما يعدها تاج منجزات رئاسته في السياسة الخارجية، فبعد ان انفقت طهران عشرات مليارات الدولارات التي حصلت عليها من توقيعها على الصفقة في توسيع نفوذها الإقليمي عادت الان الى تكثيف جهودها لإنتاج مواد نووية يمكن استخدامها في صنع أسلحة نووية، حتى من دون هذا فإن بنود الصفقة التي وقعتها ادارة اوباما من شأنها تمكين إيران، ضمن حقها الكامل، من إنتاج قنابل نووية في ظرف خمس 
سنوات. رغم هذا كله سيكون أوباما آخر من يقر بأخطاء نهجه حكماً من نظرة الرضا عن النفس التي تشبعت بها صفحات مذكراته التي نشرها مؤخراً في كتاب بعنوان «الأرض
 الموعودة».
سيكون الاصلح لبايدن ان يعي الدروس من اخطاء أوباما وإرث ترامب، فقد استخدم الأول اللين بسذاجة، بينما لجأ الثاني الى العقوبات المشدّدة والضغوط، لأن التحدي الذي تمثله بكين وموسكو وطهران مستمر بالتصاعد ونحن اليوم نحيا في عالم لا متسع فيه لأربع سنوات اخرى من سذاجة 
أوباما.