ظاهرة الأزمة

آراء 2020/12/30
...

 محمد شريف أبو ميسم 
 
 
قد يجد البعض منا تفسيرا لطبيعة الأزمات التي تشهدها البلاد، بوصفها نتاجا لمرحلة التكيف مع شكل الدولة التعددية في منطقة لم تعرف احتراما للحريات على مدار تاريخها، وأحيانا نتاج لمتغيرات محلية أو عالمية تنسحب على حالة التكيف مع شكل النظام الاقتصادي القائم على ليبرالية السوق وعلى سلوك الأفراد أو الجماعات في ظل ثقافات موروثة وأخرى طارئة بموجب ما تمليه أدوات العولمة الثقافية على العقل الجمعي.
ولكن تكرار الأزمات يجعل البعض يجتهد - كل بحسب مستواه التعليمي والثقافي وقدرته على التقصي- في البحث عن سر تعاقبها على مدار أشهر السبعة عشر عاما الماضية، فيرى الأكاديمي منا، انها «ظاهرة» بموجب تكرارها تنم عن اختلالات ادارية تنظيمية، ويرى المجبول على المنهج التاريخي انها «لازمة» تاريخية تعيد انتاجها الأجيال على هذه الأرض، التي عرفت بالوفرة وتعدد الثقافات، بينما يعزو المثقف الليبرالي تكرار الأزمات الى حالة الصراع على الموارد الطبيعية ( اذ لا ديموقراطية بحسب الليبرالية، في بلد ريعي متعدد الأطياف لأن الريع سيكون سببا للصراع وتكرار الأزمات).
والأزمة في العراق باتت لازمة لافتة، تثير التقصي وتقتضي البحث، في ظل عالم مختلف تماما عن ما حملته لنا الدرسات الأكاديمية والتاريخية قبل الألفية الثالثة، عالم استطاعت فيه القوى المتحكمة بأدوات المعرفة أن تغزو ثقافات الآخرين وتصنع القطيعة بين الأجيال الجديدة وأصولها، عالم تتماهى فيه المصالح وتتصارع فيه القوى المهيمنة على النفوذ من دون استئذان من أحد، وتوّظف فيه أدوات المال والمعرفة في تجويع الشعوب وتدجينها لضمان قبولها بالحلول الجاهزة في مشاريع الهيمنة على وفق خارطة العالم الجديد في ظل عولمة اقتصادية تماهت معها حدود الدولة، حتى باتت الأزمات على مستوى العالم صناعة بامتياز، تجتهد في مدخلاتها وعملياتها ومخرجاتها ارادات تلك القوى، مستعينة بالعلم. وعادة ما يكون صاحب العلم مدركا للحقائق والوقائع والمعلومات والنظريات ذات الصلة بهذه الصناعة، وصولا الى الهدف المراد من انتاجها وتكرارها، بهدف قبول المأزومين بالحلول الجاهزة، تحت مظلة الشركات التي تحكم العالم، فما بالك ببلد يمثل قلب المشروع الشرق الأوسطي، الذي أنفقت عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها سبعة ترليونات دولار بحسب «دنالد ترامب»، بلد عند ملتقى ثلاث قارات والسيادة عليه تعني التحكم بحركة التجارة العالمية، بلد سيخرج منه آخر برميل للنفط في هذا العالم، ويملك من الخيرات ما لا يملكه سواه، بلد فيه الفرات الذي ذكر في الوعد التوراتي.