شيء عن الاستعصاء الديمقراطي

آراء 2021/01/03
...

 ا.د.عامر حسن فياض 
في الغالب الأعم ان الكلمات الشائعة والاكثر تداولا، هي الاكثر غموضا والأصعب على الفهم، فقد دخلت علينا الاشتراكية وخرجت ولم نفهم كيف نستقبلها وكيف نودعها، وها هي اليوم الديمقراطية دخلت وهناك من قبلها من دون فهم وهناك من يخاصمها من دون فهم ايضا، فالاشتراكية لم نتلمسها لأنها طبقت على قالب رأسمالية الدولة، والديمقراطية لم نتلمسها لأنها لم تأت بعد! 
وهذه الحال لم تحسسنا بحسنات الديمقراطية يقدر ما تحسسنا بمشكلات التحول اليها، الامر الذي جعل من الاغلبية تنفر منها وتتوق الى ما قبلها والمسكينة ( اي الديمقراطية) لم تأت بعد، وهذا ما حصل للاشتراكية التي تم تطعيمها وتلويزها بتسلطية الدولة، التي أصبحت رأٍسمالية بدلا من كل أصحاب رأس المال. وذاق الناس من رأسمالية الدولة كل الويل والمسكينة ( الاشتراكية ) لم تكن مطبقة كما ارادها صاغتها الطيبون. 
المسألة اذا مسألة فهم وسوء فهم، حيث غاب الفهم وحضر اللا فهم فما هو التحول الديمقراطي؟ انه عمليات تطبيق القواعد الديمقراطية، سواء أكانت في مؤسسات لم تطبق فيها من قبل أم امتداد هذه القواعد، لتشمل أفرادا ام مجموعات لم تشملها من قبل. وانه اجراءات سيتم اتخاذها للتحول من نظام تسلطي غير ديمقراطي، وهو تراجع نظم الحكم التسلطية لتحل محلها نظم اخرى في الحكم تعتمد الاختيار الشعبي الحقيقي وعلى المؤسسات المتمتعة بالشرعية وعلى الانتخابات الحرة العادلة النزيهة كوسيلة للتداول السلمي للسلطة او الوصول اليها، وانه يعني تغييرات عميقة في الأبعاد الاساسية الثلاثة للنظام السياسي وهي البعد الهيكلي والسياسي والثقافي، والتحول الديمقراطي كما يراه الاميركي صموئيل هنتجتون « مجموعة من حركات الانتقال من النظام غير الديمقراطي الى النظام الديمقراطي، وتفوق في عدد حركاته الانتقال في الاتجاه المضاد خلال المدة الزمنية. 
والتحول الديمقراطي يعني تطبيق عدة خطوات او تبني مجموعة سياسات تؤكد هذا التحول من ابرزها: احترام الدستور، سيادة القانون، وجود مجلس تشريعي منتخب انتخابا حرا نزيها وعادلا، استقلال القضاء، حرية الصحافة والاعلام، التعددية السياسية والحزبية، فعالية المجتمع المدني واحترام حقوق
 الانسان. 
ويبقى التحول الديمقراطي مرتبطا بعملية اتخاذ قرار تسهم فيه ثلاث قوى ذات دوافع مختلفة وهي النظام والمعارضة والقوى الخارجية، ويحاول كل طرف اضعاف الاطراف الاخرى وتتحدد النتيجة النهائية على وفق الطرف المتغير في هذا الصراع، وفي هذا الصراع قد تكون الغلبة للنضج الديمقراطي على الارتداد الديمقراطي مرة وبالعكس مرات، وهكذا فإن التحول الديمقراطي عملية مستمرة وشاملة لكل الأبعاد المجتمعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بينما تحولات المنحة الديمقراطية تصبح تحولات محنة على الديمقراطية.