تجربة من فيتنام!

الصفحة الاخيرة 2021/01/04
...

جواد علي كسار
كنتُ أقرأ في مذكرات هاشمي رفسنجاني الموسومة: «رجل الأزمات»، (840 صفحة) عندما سجّل الرئيس الإيراني الأسبق انطباعاته عن فيتنام، ضمن زيارة قام بها للبلد أوائل تشرين الأول عام 1995م.
على مدار صفحات تحدّث رفسنجاني عن الشوارع والأبنية والدور والمؤسّسات، وكيف أنها كانت متواضعة، وأن الشوارع مثلاً خالية من السيارات، لكنها مليئة بالدراجات الهوائية والنارية، في مؤشرات تدلّ بمجموعها على تواضع حالة التنمية، وانخفاض الدخل، وتخلف البُنى التحتية، والاعتماد أساساً على الاقتصاد الزراعي، وإن كان الأمر يختلف إلى حدّ كبير في سايغون أو مدينة هوشي منه رسمياً، التي كانت عاصمة فيتنام الجنوبية، قبل اتحاد الشمال مع الجنوب عام 1975م. ليس في هذه الصورة ما يُثير الاستغراب، وقد عاشت فيتنام تحت طائلة الحرب المدمّرة، منذ عام 1953م حتى عام 1974م تأريخ انسحاب الأميركان، وانتهاء أشهر حروب القرن الماضي، بالنسبة لأميركا، وبعدها وفي عام 1975م اجتاحت قوات فيتنام الشمالية، فيتنام الجنوبية وأعلنت عن توحيد الشطرين، في جمهورية فيتنام الاشتراكية الموحّدة، وراح البلد يعالج الآثار المدمّرة للحرب والعسكرة، ويخرج ببطء شديد من الفقر والأميّة والتخلف، والأخطر ثقافة العسكرة ورواسبها في الممارسة والسلوك، والسياسة والاقتصاد، وفي مرافق الحياة كافة.
لم يكن في الأمر ما يُثير، لولا تقرير صدر قبل أيام من إيران أيضاً، أعدّه عن التجربة الفيتنامية قسم العلم والتنمية في وكالة فارس، جاء مليئاً بالأرقام، ولغة المقارنة بين التجربة الإيرانية والفيتنامية، ومثقلاً بالكناية والنقد لتعثرات التنمية في إيران.
العنصر الأساس الذي ذكره التقرير الإيراني، أن بلاده لا تزال تعيش تحت وطأة المفهوم التقليدي للثراء، حين تربطه بوجود النفط وحده، لدحض هذا التصوّر تحدّث التقرير عن نجاح فيتنام في صناعة تجربة تفوّقت على بلد نفطي وغازي كإيران، على سبيل المثال، إن حجم صادرات فيتنام عام 2008م في التكنولوجيا المتقدّمة، زاد قليلاً على (3) مليارات دولار، لكنه ارتفع عام 2018م إلى (83) ملياراً، أو ما يُعادل 4 % من مجمل الصادرات الفيتنامية، التي وصلت ذلك العام الى (244) مليار دولار، وهو ما يفوق مجموع عائدات الصادرات الإيرانية من النفط اربع مرّات لذلك العام، وعشر مرّات قيمتها عام 2020م المنصرم!
الدراسة تفصيلية ومطوّلة، من مؤشراتها أن قيمة عائدات الهواتف الذكية تجاوزت عام 2018م (49,8) مليار دولار، بواقع أن كلّ واحد من عشرة هواتف ذكية في العالم، كان يُنتج في فيتنام!
لقد اقترن اسم فيتنام بالمقاومة والحرب الثورية، وهو يرتبط اليوم بتجربة مشهود لها بالتنمية؛ والدرسان كلاهما تعبير عن نجاح الإنسان الفيتنامي، والعبرة منهما أن من ينجح في المقاومة، ينبغي أن يعكس تجربة ناجحة أيضاً في البناء والإعمار.