د.مصطفى كامل رشيد
أودع الله عز وجل في جسم الإنسان جهاز استشعاري يُدعى الجهاز العصبي، من مهامه نقل الايعازات الحسية والعصبية والشعورية من فرح وألم وغضب وسعادة الى مركز الاعصاب، ومن ثم الى الدماغ عبر شبكة عصبية معقدة منتشرة في جميع تفاصيل الاجهزة الاخرى في جسم الانسان. فلولا الجهاز العصبي لما تحسسنا بما يجري حولنا وتفاعلنا معه. لذا فإن الشبكة العصبية تشعرنا بجميع التفاصيل الداخلية والخارجية في جسمنا.
وهكذا هو حال سعر الصرف فهو الجهاز الاستشعاري الذي يخبرنا بمدى تحسن او سوء اقتصادنا، فعندما يكون لدينا انتاج من سلع وخدمات تطلب من قبل الأجانب فإن سعر الصرف لعملتنا المحلية يرتفع على الفور ليخبرنا بأننا قد حققنا انتصاراً جديداً في الاسواق الدولية. واذا لم تلق سلعنا وخدماتنا استحسان الاجنبي فسوف يلبي سعر الصرف النداء على الفور على شكل انخفاض في صرف عملتنا المحلية، وكذا الحال لباقي الاسواق المحلية فكل صفقة حقيقية او مالية او نقدية تجري في اقتصادنا، نجد سعر الصرف يخبرنا عنها بطريقته عبر الارتفاع او الانخفاض (بشرط تبني نظام الصرف الحر).
اليوم سعر صرف الدينار العراقي تعدى حاجز (١٤٥٠) لكل دولار اميركي، بعدما أخذ مدة من الزمن مستقراً بين حدود (1230-1200) دينار لكل دولار اميركي.
والسؤال الذي يطرح هنا لماذا حصل هذا الارتفاع؟ الجواب بكل بساطة هو ان البنك المركزي العراقي كان يحارب وحده للحفاظ على سعر صرف الدينار من دون أن يبالي صانع القرار بأهمية الاقتصاد المحلي ودور انشطته الانتاجية في تسعير صرف الدينار العراقي. على الرغم من الاستنزاف في الاحتياطي من النقد الاجنبي الذي أسفر جراء نافذة بيع العملة الاجنبية. ولكن هذا الاجراء في ظل غياب انتاج السلع والخدمات المحلية واستبدالها بالسلع والخدمات المستوردة، ودفاع العديد من الجهات عن هذا الواقع للافادة الخاصة، جعل آليات البنك المركزي العراقي في الحفاظ على سعر الصرف محفوفة بالمخاطر. فأية انتكاسة جديدة يتعرض لها الاقتصاد ستترجم على الفور بتدهور الصرف.
وهذا ماحصل فعلا بسبب تداعيات جائحة كورونا في اسعار النفط الخام دوليا مع ركود تام للاقتصاد المحلي وتشوه كامل في علاقاته الانتاجية. مما جعل سعر الصرف غير قادر على الصمود أمام هذه البيئة.