الموروث الشعبي وعمق الثقافة سبيلان لتعزيز النشاط السياحي

ريبورتاج 2021/01/09
...

  د. ابتهال خاجيك تگلان

تملك الدار العراقية للأزياء ثراءً حضارياً، يتمثل في الآداب الشعبية والمرويات الشفهية والفولكلور المتنوع للأزياء العراقية الأصيلة، التي تعبر في مجموعها عن عمق ثقافي وطني؛ لذلك اهتمت الدار العراقية للأزياء بإطلاق رؤية مستقبلية تعنى بالفولكلور الشعبي، وتهدف إلى إبرازه والتعريف به ونشر ثقافته بين الأجيال المقبلة.


 فهل يمكن من خلال هذا الإرث والموروث الشعبي تسويق ثقافة الموروث المتمثلة بالدار العراقية للأزياء؟، أو استخدامه كوسيلة تواصل حضارية فاعلة لجذب السائح الأجنبي، وبالتالي إيجاد بيئة مقاصد، يقصدها الزوار من أصقاع الأرض؟، وكيف يمكن الاستثمار فيه كأحد روافد أو مصادر الدخل الوطني في ظل هذا التنوع والثراء بمختلف مناطق العراق.
 
الفولكلور هوية
 ان فولكلور الأزياء عبارة عن ثقافة أصيلة تعبر عن الهوية وتسهم في إبرازها، وتعزيز اللحمة الوطنية، ويذكي الفولكلور مشاعر الانتماء؛ لما يرسخه من وعي بالشخصية الحقيقية المعبرة عن الوجدان الجمعي وتمكين الارتباط بالأرض، واهتمت الدول بهذا الجانب لأسباب وبواعث وطنية في المقام الأول، وبذلك نشأ على امتداد قرنين من الزمان علم التراث الشعبي (الفولكلور)، الذي يتخذ من الثقافة الشعبية المتوارثة موضوعًا له، ويشتمل على التصورات والأساطير الشعبية، فضلا عن الأزياء التراثية والعادات والتقاليد وجميع أشكال الأدب الشعبي المنقول جيلاً عن جيل، كالقصص والأمثال والشعر والتعابير اليومية والألغاز، إضافة إلى ما يتعلق بالثقافة المادية الشعبية من الازياء والحرف والبيوت والزينة وما شابه، وكذلك الفنون الشعبية وفنون الاداء، متضمنة فن إلقاء الآداب الشعبية ذاتها.
 
تنمية 
تسهم الأزياء الفولكلورية في التنمية المحلية، وتنمية الحرف، وتشجيع السياحة، ومن أشكال ذلك إقامة متاحف وأرشيفات التراث الشعبي، وعروض أزياء على الهواء الطلق، والقرى التراثية والأسواق الشعبية، وتمتلك ارض العراق مكانة دينية وحضارية، لكونها منبع الاديان ورحم العروبة وملتقى حضارات العالم ومهد حضارات أمة عريقة ضاربة الجذور، ذات تاريخ ممتد تجلى فيه الإنسان بالتعاطي مع بيئته موقعًا وموضعًا بإبداع وتفرد منذ آلاف السنين، وتمتلك إرثًا ثقافيًا يجمع بين العراقة والثراء والتنوع، وهذا الإبداع الإنساني هو ما يميز هوية البلدان، فيجعل لكل بلد طابعه المتفرد من دون تقليل المشترك الإنساني، ومما يُشاد به توجه الدار العراقية للأزياء إلى توثيق التراث الشعبي العراقي، متسمة بالشمولية والمنهجية العلمية، حفظًا للتراث، وإبرازًا لثراء حضارة وثقافات وادي الرافدين، فضلا عن التنوع الثقافي والبيئي في هوية وتراث العراق.
 
مرتكزات القوة الناعمة 
تعد الأزياء الفولكلورية أحد أهم المصادر الماديّة للشعوب والتي تعبّر عن النشاط الإنساني الثقافي والاجتماعي، كما أنّ التراث هو مصدر من مصادر المعلومات التي تسهم في إعطائنا القدرة على استعادة ما فقد منا، ويسهم التراث أيضاً في حلّ عدد كبير من المشكلات التي نواجهها، وفولكلور الأزياء يعد من أهم مصادر الإحساس بالجمال ويسهم في الإشباع العاطفي، اذ انه يربط الماضي بالحاضر. للأسف هناك بعض المشكلات التي تواجه هذا الفولكلور و منها، عدم وجود الوعي الكافي لأهميّة هذا التراث، والقيام بالترميمات بطريقة عشوائية مع فقدان القواعد الأساسية التي يتّم عليها الترميم، وعدم الاهتمام بالترميم للكثير من البنية الفوقية الخاصة بالأزياء والتي تمثّل التراث الاجتماعي والثقافي والحضاري. 
 
الزيّ أداة تعريف
إنّ الأزياء الفولكلورية لها دور كبير في الحفاظ على التراث، كما أنّها من أهمّ المصادر للدخل في البلاد وتساعد في دعم الاقتصاد الوطني ومصدر من مصادر القوة الناعمة، فاللباس التقليدي العراقي هو مجموعة الألبسة التراثية والشعبية التي حافظ ومازال يحافظ عليها العراقيون منذ قرون، اذ يظهر جليا تشبثهم بمختلف الألبسة التقليدية، خاصة في الأعراس والمناسبات الدينية، شيوخا كانوا أم شبابا، ذكورا أم إناثا، ومما لا شك فيه ان الزي التقليدي جزء لا يتجزأ من التراث، والتراث واحد من المقومات اللازمة لتشييد الحضارة، فهو ضروري لتطور الحضارة، اذ إن الزي التقليدي أداة تعريف الأمم ورمز لتميزها وتفردها وهو خير شاهد على درجة وعيها وعلى تنوّع الحضارات المتعاقبة عليها، فاللباس العراقي التقليدي يعتز به معظم العراقيين كونه احد رموز الثقافة الشعبية المتشبعة بأصالتنا، ومهما تعددت أنواع الأثواب وجودتها تبقى للأزياء الفولكلورية خاصيتها التي لا محيد عنها وهي مفخرة النساء من جميع الطبقات، وتتميز الأزياء العراقية  بانتمائها إلى مناطق عراقية مشهورة وعريقة تمزج بأصالة الاتقان. 
 
عندما تتفاخر الأمم  
ان الفنون التقليدية، سواء كانت فنون أداء مثل الرقصات التقليدية أو الأهازيج، أو المرويات من أساطير وقصص، جزء مهم لأي شعب أو حضارة، تتفاخر الأمم بها وتتصدر مشهدها الثقافي والسياحي، و يكفي أن نعلم أن اليونسكو وضعت قائمة للتراث العالمي غير المادي الذي يتضمن مثل هذه الممارسات، اذ سارع عدد من الدول لتسجيل عناصر متنوعة مثل اليابان والصين وكوريا، نظرا لأنها تقوم على حضارة عميقة وثقافة مميزة، كما عملت خلال عقود على حصر وتوثيق تراثها غير المادي من فنون تقليدية أدائية ومروية وممارسات وعادات، كما سهلت وضع قوائم الحصر والتوثيق وإعداد تلك الملفات وتدوين تاريخهم وتراثهم، وأصبحت لاحقًا من الممارسات المميزة التي تستهدف السائح لتلك الدول، اذ يجد عروضًا ذات جودة عالية يتعرف خلالها على تراث وثقافة تلك الدول بعيدًا عن الشكل المعاصر الذي تحولت إليه مدنها.
اننا اليوم في بلاد القيم والحضارة والرافدين نطمح أن نكون وجهة قصد سياحية ذات تجربة فريدة بأزيائها وموروثها ومعالمها الوطنية، كونها مشروعا وطنيا يجب أن يسهم فيه الكل ليربح فيه الجميع تحت مظلة الوطن الواحد.